الدولار البقاعي
وكانت معظم الطرق في البقاع وشرايينه تقطعت في الليلة الفائتة: من برالياس والمرج التي تنادى شبابها بالنزول إلى الشارع وعدم مغادرته حتى تًسمع صرخاتهم، إلى مفرق جديتا ضهر البيدر، حيث وصل دخان نيران الثائرين إلى قرى البقاع. وهذا قبل أن تشتعل الثورة مجدداً في سعدنايل وتعلبايا. لكن شغل البقاعيين الشاغل هذه المرة، لم يكن إقفال الطرق، بل… الدولار.
فالأنظار البقاعية تركزت على تداولات سعر صرفه، الذي افتتح يوم الأربعاء، وفقا لبعض التجار بـ 4700 ليرة. وهذا وسط حال إحباط عامة سيطرت على أسواق البقاع. ولم يعر البقاعيون اهتماماً للطرق التي أعيد فتحها في النهار، أو لتلك التي بقيت مقفلة، طالما أن الحركة الاقتصادية لن تتمكن من استعادة عافيتها المرجوة، في ظل فلتان الأسعار. وهو فلتان لم يعد مقروناً بعوامل داخلية، بل أيضاً بتداعيات العقوبات الاقتصادية المرتقبة على سوريا، بفعل قانون قيصر.
وفي مؤشر لمزيد من انهيار سعر الليرة اللبنانية في مقابل الدولار، كان لافتاً تزايد تهافت البقاعيين على طلب الدولار، وليس فقط من محلات الصيرفة، بل على مستوى التداولات الفردية.
وسوقه السوداء
لا يمكن ملاحظة حركة التبادل هذه بوضوح في ساحة شتورا. فالصرّافون في الساحة ظلوا حذرين في تعاملهم مع أسئلة المواطنين حول سعر صرف الدولار، محددين السعر وفقاً للتسعيرة المعلنة من قبل نقابة الصرافين، الذين سمح لهم باستئناف العمل مجددا، وهم المرخَّصون.
ولدى سؤالنا صباحاً عن سعر صرف الدولار، قيل لنا إنه بين 3890 و3940 ليرة. ولكن هذا فقط في العلن. أما في الخفاء، فكان بيع الدولار بـ4600 ليرة، مقابل 4500 ليرة للشراء. وأكد المتداولون بالعملات، أن الصرافين لم يتمكنوا من تأمين الطلب المتزايد على الدولار.
لم تعد معظم تعاملات تبديل العملة تتم في محلات الصرافة، تجنباً لمزيد من التوقيفات التي ينفذها جهاز أمن الدولة. وآخرها يوم الأربعاء الذي شهد توقيف بعض الصرّافين الجوالين. وهذا يزيد انتقال حركة التداول إلى صرّافي السوق السوداء، الذين يجدون فرصة تسمح لهم بأن يتحكموا بسعر صرف الدولار، طالما أن هناك من يستشرس على شرائه، وبأي ثمن.
هستيريا وحفرة
هذا الواقع ناجم عن انعدام الثقة بالسياسات المالية والمصرفية والتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، والتي تزيد الحصار على تجار “المواد غير الاساسية”. فيما صار كل مواطن تاجراً بالدولار يحاول “نتشه” من حيث يتوفر، وبأي ثمن، حتى لو بسعر يفوق سعره في السوق السوداء.
وعليه تحول كل مواطن حامل لمئة دولار وما فوق، إلى صيد ثمين، تدور حوله الإغراءات، في محاولة لانتزاع الأوراق الخضراء من يده. فبات الناس في سباقهم لتجميع أكبر قدر من الدولارات، يعمقون الحفرة التي سقط فيها الاقتصاد اللبناني.
تهريب المازوت المدعوم
ولكن الدولار ليس وحده ما يباع في السوق السوداء في البقاع. فهناك المازوت الذي تحتاج أراضي البقاع الزراعية منه إلى مليوني ليتر يومياً.
وفي هذا الإطار ظهرت تغريدة لرئيس تجمع المزارعين في البقاع إبراهيم ترشيشي، قال فيها: “تطالبون باسترجاع الأموال المنهوبة، ومحاسبة من سرق البلد وأفلسها منذ 30 سنة؟! واليوم النهب والسرقة على عينك يا تاجر وأمام أعيننا، من قبل شركات النفط المستوردة والموزعة. فالدولة تدعم والشركات تنهب وتسرق، والمواطن محروم من شراء المازوت المدعوم”.
لدى استيضاح ترشيشي حول الأمر، قال لـ”المدن”: المزارعون لم يتمكنوا من شراء المازوت بسعره المدعوم، منذ أكثر من شهر. أي في عز الموسم الذي يحتاجون فيه لهذه المادة لتشغيل مضخات الري. والشركات تمتنع عن تسليم المادة لمنطقة البقاع، منذ سُدت منافذ التهريب. ما يؤشر إلى أن هذه المادة كانت تنقل إلى البقاع لبيعها عبر معابر التهريب في سوريا. أما من تتوافر لديهم مادة المازوت في خزانات محطاتهم، فيمتنعون عن بيعها، طمعا بأرباح إضافية ينتظرونها، لدى إقرار زيادة الخمسة آلاف ليرة على مادة المازوت. وأضاف ترشيشي: صرنا نبحث عن المادة بالليتر، وندفع ثمن الصفيحة 16 ألف ليرة، بدلا من 11 ألفاً. وهذا ما يحدث من دون حلول تلوح في الأفق.