‘حزب الله’ يدخل ‘الدولة العميقة’.. ما كان يخافه وصل إليه!

11 يونيو 2020
‘حزب الله’ يدخل ‘الدولة العميقة’.. ما كان يخافه وصل إليه!

حسابات كثيرة حالت دون سيطرة “حزب الله” على السلطة في لبنان منذ العام 2000 حتى اليوم، أو أقله الإنغماس الجدي في مفاصلها، منها عدم مزاحمة قوى السلطة التقليدي على قاعدة “لكم سلطتكم ولنا مقاومتنا”، ومنها تجنّب إيقاع لبنان تحت مقصلة العقوبات ومنها أيضاً نظرية تقول أن التغيير بلبنان غير ممكن في ظل “سقوط المنطقة المحيطة تحت الهيمنة الأميركية”، وعلى هذا الأساس عمل الحزب في السنوات الماضية، لكن المعطيات الداخلية والخارجية منها الإنسحاب السوري ودعم حلفائه وأخيراً مطاب بيئته الشعبية المعيشية، جعلت الحزب ينخرط تدريجياً في المؤسسات التنفيذية.

لكن الحزب بقي على الهامش حتى بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة التي رآها كثر مفصلية في دخول الحزب إلى التفاصيل السياسية وتدخله فيها، كان رأي الحزب بأن أي سعي للإنخراط أكثر في الحكومة والدولة وشؤونها سيعطي حجة للأميركيين لإعتبار الدولة في لبنان ساقطة تحت سيطرة السلاح ما يزيد العقوبات والضغط المالي وتالياً الإنهيار.

في المقابل إنقسمت الإدارة الأميركية في رؤيتها للملف اللبناني حول نظريتين، الأولى تقول بضرورة إستمرار الضغط الإقتصادي والمالي على لبنان ودفعه إلى الإنهيار الكامل، لأن هذا الإنهيار حتى لو أودى بحلفاء واشنطن السياسيين والماليين والإقتصاديين، فهو سيودي أيضاً بـ”حزب الله” الذي سينهار بالتوازي مع إنهيار البلد، ولعل المنظّر الأول لهذه الفكرة هو دايفد شينكر، في المقابل كانت هناك نظرية تراجعت مقبوليتها في واشنطن في المرحلة الماضية تقول بأن الضغط يجب أن يكون ضمن حدود معينة لأن الإنهيار في نهايته سيفيد الحزب وسيضرب حلفاء الولايات المتحدة بالكامل، اذ ان الرادع أمام سيطرة الحزب على الدولة هو في الأصل الخوف من العقوبات ومن التجويع، فإذا ذهبنا إلى هذا الخيار ونفذناه ما الذي سيقف أمام تمدد الحزب الذي يمتلك الموارد الكافية التي تمكنه من الصمود كمؤسسة ومن تخفيف حجم الكارثة على بيئته الطائفية.

تقدمت النظرية الأولى بالرغم من التصريحات الأميركية الديبلوماسية، والتي شجعت لبنان على الخطوات “الإصلاحية” فيما بدا مشابهاً لتصريحات وأداء السفيرة الأميركية في العراق أيام إجتياح الكويت كاثرين غلاسبي، وإتجهت واشنطن نحو الخنق الكامل للبنان، وتراجع الوضع النقدي والمالي بشكل هائل، فعمل “حزب الله” على مسارين، الأول بدأه قبل أشهر من إعداد العدّة لما هو أسوأ من تحضير مخازن الغذاء والدواء، ووضع لوائح للمساعدات وفتح مسارات جديدة للتكافل الإجتماعي ووضع خطط مرتبطة بالتجار العاملين في بيئته، والمسار الثاني هو التفاوض من موقع القوة وإستغلال الوقت الضائع.

بدأ المسار الثاني مع حكومة حسان دياب، التي أعطت الحزب نفوذاً غير مسبوق في الدولة اللبنانية، هي فعلياً حكومة الحزب وحلفائه، يدعمها ويؤمن لها ظروف الإستمرار ويدوّر الزوايا فيها بين المختلفين، وقد شكّلت هذه الحكومة للحزب باباً صريحاً للعمل على موازنة الضغوط الأميركية بإنخراطه في السلطة، فكلما زاد الضغط الأميركي على لبنان الذي يؤدي إلى تسريع الإنهيار كلما قلّت حاجة الحزب على مراعاة التوازنات المرتبطة بالنفوذ الأميركي في لبنان.

في عقل الحزب هناك قناعة مطلقة بأن الأميركيين وأدواتهم الدوليين يأخذون التنازلات تدريجياً من خصومهم. فمثلاً تبدأ العقوبات المحدودة ويأخذون مقابلها تنازلات، لكن العقوبات تتوسع إذ لا يرضى الأميركيون بالتنازل الأول وهكذا تتوالى التنازلات ولا ينتهي الضغط، لذلك يبدو أن الحزب يلجأ إلى الإستفادة قدر الإمكان من الوقت الضائع الذي ستستمر واشنطن خلاله بالضغط ، سزاء أقدّم لبنان تنازلات ام لم يقدم، والإستفادة هنا يكون لها وجهان، الأول إبتزاز واشنطن بأن الحزب سيكمل تمدده داخل الدولة ودفعها إلى تسوية أسرع من المتوقع، والثاني هو التمدد بحدّ ذاته داخل الدولة، إذ إن هذا التمدد يزيد قوّة الحزب وسيطرته ويقلل تلقائياً، ونسبياً النفوذ الأميركي.

هذا هو السباق الآن بين التسوية والضغط الإقتصادي والأميركيين و”حزب الله”، وفي هذا الإطار كان لافتاً ذهاب الحكومة إلى تعيينات مالية لا ترضي واشنطن، إذ إن الأميركيين الذين عرقلوا التعيينات المالية قبل أسابيع عبر وضعها “فيتوات” على إستبدال نائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري لم تبدل رأيها بل على العكس، كررت موقفها مؤخراً لكل من رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ورئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، وبالرغم من ذلك ذهبت الحكومة إلى هذه التعيينات المالية.

من الواضح أن الحكومة ستستمر في اللعب خارج الصندوق الأميركي، على قاعدة تحصيل أوراق قوّة مقابلة لأوراق القوة الأميركية المتركزة بمسألة الإنهيار الإقتصادي، هكذا قد يكون متوقعاً ان تستمر الحكومة بالذهاب إلى خيارات لا ترضي واشنطن مثل عدم الإلتزام بقانون قيصر مثلاً، أو تطبييع سياسي مع سوريا، وربما تطيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد تعيين نواب له، هذا ما قد يشكل مفتاحاً لحل أو لتفاوض لاحق بين من يمسك مفاصل الدولة والسياسة الخارجية وبين من يمسك مفاصل الإقتصاد والمال.