أقله هكذا بدا الانطباع الأول فور خروج البيان إلى العلن، وذلك قبيل انعقاد الجلسة رقم 13 بين الوفد اللبناني، المتعدد الأطراف، وصندوق النقد الدولي والذي تمحور حول إعداد وتنفيذ الموازنات العامة، وقبيل أيضاً الاجتماع الذي كان منتظراً أمس الخميس للجنة الفرعية المنبثقة من لجنة المال والموازنة، والمكلفة بتقصي الحقائق حول أرقام الخسائر المالية للدولة والتي سبق لها أن عقدت سلسلة من الإجتماعات بعيداً من الإعلام، تحاول من خلالها توحيد بعض المقاربات بين الجهات الثلاث المختلفة أي الحكومة ومصرف لبنان وجمعية المصارف، وكان يفترض أن يصار إلى تشكيل لجنة مشتركة من الأطراف الثلاثة المختلفة في المقاربات، لكن الاجتماع تأجل حتى يوم الاثنين المقبل. يحصل ذلك، فيما لبنان يواصل مفاوضاته مع صندوق النقد رغم ارتكابه أخطاء قاتلة: أولها التعليمات التي كان رئيس الحكومة حسان دياب حمّلها للوفد الممثل للحكومة بعدم التواصل مع وفد مصرف لبنان، فصار للدولة اللبنانية أكثر من وفد رسمي وأكثر من وجهة نظر، مع العلم أنّ صندوق النقد لا يتفاوض عادة إلا مع المصارف المركزية. ثانيها ذهاب لبنان إلى المفاوضات من دون أسلحة لا بل معرّى تماماً، ما يجعله طبقاً سهلاً أمام صندوق النقد بكامل بهاراته. ثالثاً عدم ضمان التأييد المسبق للبرلمان وبالتالي تعريض أي خطة معروضة أمام صندوق النقد للطعن في مجلس النواب، خصوصاً اذا ما مسّت ودائع الناس.
فهل سدّت قنوات الحوار بين الأطراف الثلاثة؟ وهل أقفل بيان بعبدا أي منفذ لتقريب وجهات النظر؟وفق المعنيين، فإنّ البيان الذي كان منتظراً من بعبدا، كان يفترض أن يدعو للعودة إلى الخطة التي وضعتها الحكومة للتعافي الاقتصادي وليس لأرقامها، حيث يقول هؤلاء إنّ الخلاف بين مكونات المثلث المالي، ليس على الأرقام وانما على المقاربة في وضع الأرقام والخطة العلاجية، ما يعني كيفية توزيع الخسائر وبالتالي كيفية المعالجة.
وقد كان الهدف من الاجتماع الدفع باتجاه توحيد هذه المقاربات، أقله من جهة الحكومة ومصرف لبنان، وحين بدت المهمة صعبة في هذا الاجتماع، جرى التعويض ببيان أريد من خلاله الحفاظ على ماء وجه الحكومة وعدم كسرها أمام الرأي العام، ولو أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سجّل تحفظه على البيان. ومع ذلك، يقول المعنيون إنّ الارقام ليست موضع اشكالية جوهرية مع صندوق النقد الذي يتولى النقاش مع مصرف لبنان في ما خصّ المقاربة التي وضعها، لأنّ المشكلة في مكان آخر وتحديداً في الاصلاحات التي يفترض بلبنان اقرارها. ولذا فإنّ الخلاف حول المقاربات قابل للتفكيك، لكن مكونات هذا القطاع تمارس سياسة الانتظار على كوع صندوق النقد، والمسار الذي سيفرضه وما اذا كان فعلاً سيمد يد العون للبنان، لتقرر على أساس هذه المعطيات، كيف ستتعاطى مع مقتضيات المعالجة المالية لتحدد حصتها من الخسائر. ولهذا تسود المماطلة وشدّ الحبال.
ورغم ذلك، يؤكد المطلعون أنّ الحوار بين ثلاثي وزارة المال وجمعية المصارف ومصرف لبنان مستمر وسيشهد الأسبوع المقبل خطوات جدية في هذا السياق، ولو أنّ مصادر وزارة المال تشير إلى أنّ المقاربة التي وضعتها الحكومة هي التي ينظر اليها صندوق النقد بعين الواقعية.