هذه الكلمة يجب ألا يبوح بها أي مسؤول!

16 يونيو 2020
هذه الكلمة يجب ألا يبوح بها أي مسؤول!

للمرّة الألف نقول يا جماعة الخير إحترموا قليلًا عقول اللبنانيين، الذين لا يمكن أكل عقولهم بسهولة، وبالتالي لا يمكن إختبار صبرهم طويلًا، وهم يعضّون على الجرح، على أمل أن تعي السلطة مسؤولياتها الكاملة، وأن تتحملها بجرأة أدبية من دون تلكؤ أو تسويف، والإقلاع عن سياسة إدارة الظهر، أو على طريقة “شاهد ما شفش حاجة”.
هذا ما حصل بالأمس، وما يحصل كل مرّة، يضطرّ فيها رئيس الحكومة إلى الإدلاء بالدلو نفسه، الذي حفظه اللبنانيون عن ظهر قلب، وهو لا يتوانى عن إستخدام أفعال التسويف ( سوف نعمل، سوف نقدم، سوف نتصرف، سوف نحاسب، سوف نضع خططًا إنقاذية)، وأفعال التمني والإكثار من كلمة “يجب”، التي لا تعني شيئًا في نهاية الأمر، وهي كلمة غالبًا ما يلجأ إليها من ليس في يده أي حيلة، ومن لا يستطيع الحلّ والربط المعتاد أن تُتخذ عنه القرارات.
فكلمة “يجب” يجب ألا تُستعمل في غير مكانها الصحيح، لأن إستخدامها في غير موقعها الطبيعي تقلّل من هيبة قائلها، إذ يتبادر إلى أذهان السامعين في بادىء الأمر أن من يحتمي بهذه الكلمة لا يستطيع أن يُقدم على أي خطوة جدّية وعملية.
فنصيحة إذا كانت لا تزال تنفع – وكانت النصيحة بجمل – نضعها في تصرّف بعض المستشارين، الذين يعدّون لرئيس الحكومة الكلمات التي يتوجب عليه تلاوتها، سواء في معرض الاحاديث الروتينية في مطالع كل جلسة لمجلس الوزراء، أو في المناسبات العامة، وحتى تلك المكتوبة بالعربي الدارج. وآخر هذا الكلام كان في إجتماع المجلس الأعلى للدفاع، وقال فيه من جملة ما قاله إنه يجب أن تلقي القوى الأمنية القبض على مثيري الشغب وكشف من يحرّضهم ومن يقف وراءهم ومن يمّولهم. وكان حري أن يُقال مثلًا إن الحكومة قد تبلغت من القوى الأمنية أنها ألقت القبض على هؤلاء الذين خرّبوا ودمّروا واحرقوا وعاثوا في الأرض فسادًا، وأن من يقف وراءهم ويحرّضهم ويمولهم هم فلان وعلتان، وأنهم أحيلوا على القضاء لإتخاذ ما يجب إتخاذه بحقهم من إجراءات وإنزال بهم العقوبات التي تجيزها القوانين المرعية الإجراء.
هذا ما ينتظره اللبنانيون من المسؤول، الذي صودف أنه مسؤول عن البلاد والعباد، لا أن يسمعوا الكلام نفسه، الذي من خلاله يعبّر هؤلاء عن هواجسهم وعن وجعهم وعن غضبهم. فإما أن يكون المسؤول مسؤولًا بكل ما لكلمة مسؤول من معانٍ أو لا يكون، وبالتالي فإن المسؤولية تفرض عدم إنتقائية ما يناسب من قرارات غالبًا ما تبقى حبرًا على ورق، ويسقط ما يُفترض به إتخاذه من إجراءات.
بكل بساطة نقول أن الشعب، الذي لم يثر كما يجب حتى الآن، ملّ من كثرة الكلام، وهو كلام جميل في المطلق، ولكنه لا يقدّم ولا يؤخرّ، وهو يطالب السلطة بأن تترجم كلامها إلى أفعال، وألا تكتفي في كل مرة تجد نفسها مأزومة بأن تلقي المسؤولية على الآخرين، “الذين لا يدعونها تعمل”، وكأن الذي يجب أن يعمل يُفترض به أن يطلب الإذن بذلك.
قليل من الجدية والمسؤولية. هذا هو المطلوب. ونقطة على السطر.