حوار بعبدا بين سندان المقاطعة ومطرقة ‘قيصر’ … المشاركة متروكة للحظة الأخيرة

18 يونيو 2020
حوار بعبدا بين سندان المقاطعة ومطرقة ‘قيصر’ … المشاركة متروكة للحظة الأخيرة

بدا واضحاً أن لبنان بدأ أمس مسار انزلاقه الى موقع دراماتيكي جديد مع بدء سريان “قانون قيصر” الاميركي للعقوبات على النظام السوري الذي شكلت الدفعة الاولى منه في حق عشرات المسؤولين والكيانات في سوريا وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الاسد وزوجته اسماء نموذجاً مبكراً الى مدى التشدد الذي يطبع هذا القانون الذي لن يكون لبنان بمنأى عن مفاعيله وعقوباته سواء في ما يتصل بمسؤولين وسياسيين وحزبيين يقيمون علاقات وثيقة مع النظام السوري، أو بمؤسسات وشركات وافراد قد تكون اعمالهم ومصالحهم في سوريا مهددة بالعقوبات الاميركية الجديدة. وإذا كانت طلائع القانون الأميركي الجديد طوّقت بقيودها رأس الهرم في هيكلية النظام السوري، سرعان ما توالت التحذيرات الأميركية الرسمية من كون الأفواج التالية لتطبيقات القانون لن تتهاون مع المتعاملين مع النظام “أيا كانوا” وتم إبلاغ الجانب اللبناني “برسائل واضحة في هذا المجال”، في وقت لم يتأخر رد السفيرة دوروثي شيا على اتهام نصرالله لواشنطن بأنها تقف وراء حظر دخول الدولار إلى لبنان واصفة هذا الكلام بأنه “تلفيقات كاذبة والحقيقة أنّ عقودا من الفساد ومن القرارات غير المستدامة في لبنان تسببت بهذه الأزمة”.

وفي مسعى للحد من تداعيات هذا القانون على الداخل اللبناني جاءت مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الدعوة لطاولة حوار وطني في بعبدا، وسط دعوات تحديد جدول اعمال للاجتماع يوازي باولوياته الخطورة البالغة للاوضاع في لبنان سواء من الناحية الداخلية في ظل تصاعد الازمات المالية والاجتماعية، أو من الناحية الخارجية التي باتت تداعياتها تضغط بقوة على الحكم والحكومة والقوى السياسية للاسراع في اتخاذ خطوات تحمي لبنان من مزيد من الاستنزاف في ظل قانون قيصر.
أهمية اجتماع بعبدا
وقللت مصادر سياسية عبر “اللواء” من اهمية لقاء بعبدا الذي يعقد تحت عنوان انقاذ لبنان مما يتخبط فيه من أزمات واعتبرت انه لم يعد ممكنا تحقيق هذا الهدف ما دام الذين يمسكون بزمام السلطة وتسببوا في هذه الازمات، يمعنون بممارساتهم وارتكاباتهم المفضوحة ونهب مقدرات الدولة ويرفضون كل محاولات ومطالب الاصلاح ويصادرون المؤسسات لمصلحتهم الخاصة على حساب ومصالح اللبنانيين ويعطلون التشكيلات القضائية تحت حجج وبدع مرفوضة. واعتبرت ان ما يقال بان من يرفض المشاركة في هذا اللقاء إنما يتحمل مسؤولية عدم انقاذ البلد، هو كلام مردود لمطلقيه ايا كانوا لانه لو كانوا بالفعل يريدون إنقاذ البلد لما انقلبوا على كل التفاهمات وعطلوا مسيرة الدولة  وأستعدوا محيطه العربي وعزلوه عن الاشقاء والاصدقاء وزجوا به عنوة بالاحلاف والصراعات الاقليمية والدولية.

وتذكر المصادر باللقاء الحواري الاخير الذي دعا اليه رئيس الجمهورية في بعبدا لتغطية ما سمي بالخطة الانقاذية  للوضع المالي والاقتصادي بعد اقرارها بمجلس الوزراء وليس قبلها كما يتطلب الامر ذلك ومن دون سماع آراء الآخرين والأخذ بملاحظاتهم وتحول الى لقاء بروتوكولي مبتور بعدما تغيب عنه سياسيون بارزون، وتبين بعد مفاوضات استمرت لاسابيع هزالة الخطة وعدم صلاحيتها لاستكمال التفاوض بخصوصها، ما اضطر رئيسي الجمهورية والحكومة للتنازل عن العديد من مكوناتها والتسليم بضرورة اجراء تعديلات جوهرية عليها من قبل المجلس النيابي،  في حين كان مفترضا ان تقوم الحكومة بهذه التعديلات وان لا تتلهى بالعناد واستعداء الاخرين وهدر الوقت دون جدوى.

واعتبرت المصادر انه اذا كان الهدف من الدعوة لهذا اللقاء تحت العناوين المذكورة الحصول على صك براءة من كل القوى السياسية، المشاركة بالسلطة والمعارضة على ما قامت به التركيبة السياسية والتمترس وراء هذا اللقاء هكذا من دون أي تغييرات جذرية وجدية بالأخطاء والممارسات التي اوصلت الى هذه الازمة فهذا معناه ان كل ماقامت به هذه التركيبة السلطوية وتحديدا الفريق الرئاسي جيد ويتطلب تنفيذه ودعمه داخليا وخارجيا وهذا ليس صحيحا على الاطلاق ولا يمكن تغطيته او تسويقه أو الدفاع عنه لا من قريب ولا من بعيد.
من يشارك ومن يقاطع
بدأت القوى السياسية مع كتلها النيابية الاتصالات والمشاورات لتقرير الموقف من المشاركة في لقاء الحوار الوطني المفتوح في قصر بعبدا يوم الخميس المقبل، بعدما تلقى معظمها الدعوات الرسمية من رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي، وإذا كان محسوماً مشاركة كتل الموالاة المشاركة في الحكومة، فلم تعرف مواقف كتل المعارضة نهائيا بعد وان كانت ابدت ايجابية حيال الدعوة.

وكان البارز في هذا المجال اجتماع رؤساء الحكومة السابقين: نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، سعد الحريري، وتمام سلام مساء أمس الاول، في دارة الرئيس ميقاتي، وهم المدعوون الى اللقاء، وسط معلومات مفادها انهم سيقررون المشاركة من عدمها بشكل نهائي في اجتماع اخر يعقدونه ربما يوم الاحد المقبل، بينما رشحت معلومات ان الرئيس الحريري ابلغ رئيس المجلس نبيه بري عندما التقاه امس الاول قراره المبدئي….

وقالت مصادر القوات اللبنانية لـ”اللواء”: إن رئيسها الدكتور سمير جعجع تلقى الدعوة لحضور اللقاء بصفته رئيسا لتكتل الجمهورية القوية،ونحن بالمبدأ نرحب بأي لقاء تحت راية المؤسسات الدستورية، لكننا سنتظر تحديد جدول الاعمال، وسيُعقد اجتماع قريباً للتكتل ولقيادة القوات لمناقشة جدول الاعمال وتقرير الموقف من شكل الحضور ومضمونه.

كذلك ذكرت مصادر كتلة الكتائب النيابية انها ستتعامل بإيجابية مع الدعوة، لكن قرار المشاركة يتخذ خلال اجتماع قريب للمكتب السياسي للحزب.
وعشية الاجتماع، وتنشط الاتصالات، لبلورة الموقف فيستقبل الرئيس الحريري في بيت الوسط رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، ويتناول الغداء معه، ويسبق ذلك زيارة لفرنجية للرئيس نبيه برّي في عين التينة، مع الإشارة إلى ان الرئيس الحريري والنائب فرنجية قاطعا جلسة الحوار السابقة في بعبدا، التي كانت على مستوى رؤساء الكتل النيابية.
يبقى السؤال ماذا عن طرح “الاتجاه شرقاً” الذي يصرّ عليه الأمين العام لـ”حزب الله”؟ تجيب مصادر غير معادية لهذا الطرح لـ”نداء الوطن”: “بالطبع هو طريق قابل للتعبيد لكنه للأسف كان كذلك قبل استفحال الصراع بين واشنطن وبكين، أما الآن فالصين بعد أزمة كورونا لا تجد نفسها معنية بإثارة أي استفزاز للولايات المتحدة ولا تريد زجّ نفسها في أية مشاكل إضافية لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي الصيني، بينما طرق الشرق المؤدية إلى إيران هي أساساً مسدودة بفعل عقوبات قديمة وجديدة تمنع التعامل معها وبالكاد استطاعت طهران أن تزوّد فنزويلا بشحنة بنزين بعد جهد جهيد، هذا عدا عن كون إيران نفسها “مخنوقة” ويعاني شعبها الأمرّين من اشتداد وطأة الضائقة الاقتصادية والنقدية في البلاد، وقد بلغ التومان الإيراني الجديد، بعد حذف أربعة أصفار منه، مستوى قياسياً جديداً من التراجع خلال الساعات الأخيرة وبالتالي هو ليس أفضل حالاً من الليرة اللبنانية لكي يستطيع أن يشكل رافعةً لها”.
توحيد الارقام انجز
وسط هذه الأجواء، نجحت لجنة تقصي الحقائق النيابية في تحقيق هذا الهدف حسبما تبيّن من نتائج أعمالها وخلاصة ما توصلت إليه في جلستها الختامية أمس. وفي هذا الإطار، علمت “نداء الوطن” أنّ رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان سيرفع تقريرها النهائي إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد انعقاد لجنة المال والموازنة اليوم ليبنى على الشيء مقتضاه، وسط تقاطعات نيابية أكدت لـ”نداء الوطن” على كون بري أبدى دعماً قوياً لعمل لجنة تقصي الحقائق وللتدقيق المالي الذي قامت به، وسط تجلي تأييد نيابي من مختلف الكتل لما توصلت إليه من أرقام وتقديرات مالية من المتوقع أن تشهد خفضاً للخسائر المقدرة من 241 ألف مليار ليرة إلى ما دون 100 ألف مليار.

وبحسب المعلومات المتوافرة من مصادر مواكبة، فإنّ الخلاصة النيابية التي توصلت إليها اللجنة مبنية على مقاربة جديدة تطيح بخطة الحكومة المالية وبأرقامها وفي الوقت نفسه لا علاقة لها بأرقام المصرف المركزي بل هي أتت “نتيجة نقاش علمي مستند على خليط من معايير “البازل” وبنك التسويات الدولية”، موضحةً أنّ هذه المعايير أدت إلى “إعادة تقييم الخسائر بشكل مختلف عن أرقام الحكومة وأرقام المصرف المركزي الأمر الذي أثّر على المعالجات المطروحة وأبرزها ما يتمحور حول عدم تصفية كل ديون لبنان والتزاماته حتى العام 2040 كما كان وارداً في خطة الحكومة ليصار إلى مراعاة ما أوصت به الجهات الخارجية ومنها البنك الدولي وصندوق النقد واعتماد معالجة تدريجية للخسائر، وهذا ما سينعكس إيجاباً، في حال التزمت به الحكومة بعد نيله إجماعاً نيابياً، لناحية الحؤول دون الدخول في متاهات الهيركات”.