حليفان يواكبان ‘حزب الله’: تمهيد الطريق للإنقلاب الإقتصادي

18 يونيو 2020

شكل الخطاب الأخير الذي ألقاه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مفصلاً اساسياً في لبنان، ويمكن الحديث عما قبله وما بعده، اذ وبعيداً عن أهداف نصرالله من كل ما قاله وما اذا كان جزءا من شدّ الحبال النظري والمناورة في المواجهة مع الاميركيين او اعلاناً عمليا لبدء مسار جديد لدور الحزب وموقعه في النظام اللبناني، فإن الخطأ أنهى الى حد بعيد وظيفة لبنان الإقتصادية التي نشأ على اساسها عام ١٩٤٣، والتي لم تتغير بالرغم من كل التبدلات السياسية والديمغرافية فيه وفي الإقليم.
 ليس خفياً ان “حزب الله” يرغب بالتوجه شرقاً، ويعتبر في قرارة نفسه أن النظام الإقتصادي والمالي اللبناني بشكله الحالي، هو خصم استراتيجي وأداة اميركية تشكل نقطة ضعف له في المواجهة، لكن الحزب المتكيّف دائماً مع الظروف يعرف توقيت معاركه بدقة شديدة، ويعرف استغلال لحظات الفراغ الاستراتيجية ليملأها بمكتسبات يقضمها من هنا وهناك. اليوم، يجد الحزب ان خصمه الأقوى في لبنان والذي يشكل عماد الدولة العميقة في أضعف مراحله، يتعرض لضغوط هائلة بسبب الوضع القائم وبسبب الضغوط الأميركية. يشبه مصدر مطلع العقوبات الأميركية بالديناصورات التي لا يمكن للحزب مواجهتها والوقوف في وجهها بسبب الإختلال في التوازنات والموارد والإمكانيات، لكن الديناصورات يمكن الإمتطاء فوق ظهرها وتوجيهها قدر الإمكان والتخفيف من اضرار هيجانها. هكذا يسعى الحزب الى جعل العقوبات الأميركية عليه فرصة لضرب النظام الاقتصادي اللبناني من “اقتصاد مدولر” الى “النظام المصرفي” وغيره، الحليف للاميركيين، مما يجعل مكاسب الحزب من العقوبات الإقتصادية تعادل وربما تفوق خسائره. كل ذلك كان مدخله، وأوضح تجلياته خطاب نصرالله قبل يومين: “التوجه شرقاً”، بما يعنيه ذلك من استغناء عن الدولار وعن الاستثمارات الغربية بأخرى صينية، وعن الصادرات الغربية بمثيلاتها عربياً.
 في لبنان وضع الحزب خياراته على الطاولة، وكان خياره الأول اطالة الوقت القائم وتجنب المعركة، وترك الرئيس سعد الحريري في السراي لتدوير الزوايا مع الغرب، والتحايل الشكلي على واقع التوازنات في لبنان، سقط هذا الخيار منذ البداية، فكان الخيار الثاني، حكومة جديدة تأخذ الثقة من اللبنانيين وتعمل على اصلاحات جدية وتؤجل الإنهيار او تفرمله في محاولة لكسب الوقت قبل التسوية الإقليمية، لكن الظروف الذاتية والموضوعية اسقطت هذا الخيار فباتت الثقة الشعبية في الحكومة تنهار بسرعة. الخيار الثالث والذي واكب الخيارين السابقين هو الرهان على عدم اتجاه الولايات المتحدة الأميركية الى الخنق الكامل على قاعدة أن هذه الخطوة ستعطي الحزب مبرراً للسيطرة العملية والعلنية على البلد وانها تسقط الرادع الأساسي الذي يحول دون ذلك، أي الخوف من الحصار. سقطت هذه الخطوة مع نجاح فريق دايفد شينكير في الذهاب في اسقاط اقتصاد لبنان نحو النهاية.
 جاء خيار المواجهة. يحب الحزب المواجهات الناعمة التي توصله الى خياراته بهدوء، ويبدو ان طرح التوجه شرقاً بات خياراً جدياً للحزب لا مفر منه، وهو سيحققه حتماً، لكن الخيارات لا تزال غير واضحة، اذ يحاول الحزب عدم استعمال الشارع في الضغط على الدولة لأخذ هذا الخيار، لعدة اسباب، اولها ان الحكومة التي تشكل جزءا اساسيا من هذه الدولة هي حكومته، وثانياً لانه لا يرغب بأن يكون التوجه شرقاً فرصة لزيادة الإنقسام والتوتير والاشتباك السياسي في لبنان.
 كان الخيار الآخر، تأمين توافق عام، علني أو ضمني على الذهاب الى الصين. قبل اسابيع ليست قليلة بدأ “حزب الله” حراكاً سياسياً مكوكياً، تواصل خلاله مع مجموعة كبيرة من القوى السياسية، الهدف المباشر من هذا التواصل الوصول الى توافقات ثنائية وتهدئة الأجواء السياسية في لبنان.
 استطاع الحزب إحتواء رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط، اذ تطورت العلاقة بين الطرفين كثيراً منذ تأليف حكومة دياب، وباتت لقاءات الحزب مع النائب السابق غازي العريضي دورية، حتى ان بعض المصادر غير المؤكدة اوحت بلقاء عقد بين نصرالله وجنبلاط. حصل جنبلاط على “ما يريد من الحزب” وحصل الحزب على حياد جنبلاط. بات بيك المختارة بعيداً عن الاصطفافات بل مبادراً على خط التهدئة السنية – الشيعية. سحب مشاركته في تظاهرة “لا للسلاح”، وصالح رئيس الجمهورية ميشال عون وعهده. صالح ارسلان وواكب بري في كل حراكه السياسي. مروحة اتصالات الحزب، طالت ايضاً الرئيس سعد الحريري، الذي تعتبر علاقته بحارة حريك أفضل من اي علاقة اخرى مع قوى ٨ آذار.
 لكن، الأهم هو ما يقوم به بري في عين التينة وميشال عون في بعبدا. الأول يحضر ارضية واسعة لحوار في بعبدا برعاية عون، والثاني يرسل المبعوثين الى سوريا والعراق لدرس امكانية استيراد وتوريد المواد الغذائية والخضار والفاكهة.
 يحضّر بري ارضية التوافق على التوجه شرقاً. يعمل على مصالحة باسيل وفرنجية، ويحاور الحريري بالتعاون مع جنبلاط، والهدف المباشر تخفيف الإحتقان، والهدف الثاني انهاء اي إشكال سياسي – إعلامي حول الذهاب الى الشرق. لا يهدف عمل بري الى جلب الحريري وجنبلاط الى طاولة الضاغطين من اجل التوجه شرقاً، بل الى تمرير الأمر من دون انقسام سياسي حقيقي، وهذا الانقسام لا يؤمنه الا وقوف الحريري وجنبلاط في الضفة المقابلة، اذ ان الكتائب مثلا لا تشكل قاعدة حقيقية لضرب الاجماع.
 منذ الاعلان عن الحوار في بعبدا، بدأت ملامح ما قام به برّي تظهر. امس صرح الحريري بأنه في المعارضة فلتقم الحكومة بما ترغب به، ما يوحي انه تجنب الدخول في مواجهة سياسية مع اي قرار. في المقابل، بدأت العدة تعد لحوار بعبدا الذي ستنقاش خلاله الحلول الممكنة والمطروحة أمام الحكومة، ما يعني انه سيشكل محاولة لخلق اجماعي حقيقي او مصطنع من أجل دفع الحكومة بإتجاه الخيارات الشرقية. هذا اذا حصل يجنّب الحزب المواجهة الداخلية لمحاولة فرض توجهات إقتصادية جديدة.