سياسة “ربّما” تمهّد لتحالف معارض بالمراسلة

19 يونيو 2020
سياسة “ربّما” تمهّد لتحالف معارض بالمراسلة
إيلي الحاج
إيلي الحاج

ليس في أحزاب لبنان عموماً رأي عام كي يخشاه رئيس حزب ويحسب حسابه في القرارات الكبيرة أو الصغيرة. بسهولة فائقة يستطيع الانتقال من طرف إلى طرف نقيض مطمئناً إلى انتقال قاعدته الحزبية معه دفاعاً وهجوماً.

سواء أكان رئيس الحزب ميشال عون أم جبران باسيل أم وليد جنبلاط أم سمير جعجع، أم سواهم.

هذه المقالة عن جعجع الذي صرّح في حديث إلى صحيفة “القبس” الكويتية بالتالي: “ربما أخطأنا بانتخاب عون رئيساً”.

في 27 نيسان الماضي قال جعجع من شاشة “العربية” إنّه “غير نادم ولا لحظة” على ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. فما الذي تغيّر في أقل من شهر؟


رئيس “القوات” يقيم سياسته، على ما بات يعرف معظم من تعاملوا معه بعد خروجه إلى الحرية، على المصالح حيث لا مكان للعواطف والعلاقات الإنسانية


بعض عارفي رئيس “القوات” عن قرب عند صفة “التمهّل” التي يلمّحون بها عنه، عند بعض المفاصل. فبعد أن يكون حسم أمره يُعاود السؤال: “هل اتخذ القرار الصحيح؟”.

وهذه عادة من صفات المثقفين، لكنّه هو، في موقع قيادة.

لكنّها ليست دافعه هذه المرة في تقليب رأيه وتقييمه لقرار ترشيح عون ودعمه انتخابه، لا بل التحالف معه ومع جبران باسيل. فتش عن انعكاسات بدء تطبيق “قانون قيصر” وخطاب السيد حسن نصرالله الذابل الحائر، عندما تحدث في الاقتصاد، والوضع الجديد والمنهِك لنظام الأسد وإيران.

أعاد جعجع قراءة الموقف وموازين القوى وقرّر كما غيره من القوى على الأرجح أن ثمة صفحة انطوت وصفحة أخرى فتحت، ولا بد من تعديل في الخطاب للتناسق معها.

يدعم هذه المقاربة واقع أن رئيس “القوات” يقيم سياسته، على ما بات يعرف معظم من تعاملوا معه بعد خروجه إلى الحرية، على المصالح حيث لا مكان للعواطف والعلاقات الإنسانية، ولا صديق دائم أو عدو دائم.

على القطعة.

ربما هذه خلاصة “حكيمة” لتجربة رجل أمضى في السجن الانفرادي 11 سنة و3 أشهر بسبب ما يراه أنصاره “مواقف مبدئية”، زمن هيمنة النظام السوري على لبنان.

عندما سألته مراسلة “القبس” إنديرا مطر: “ألا تعتبر أن اتفاق معراب مع الرئيس عون كان ضرره أكبر من مردوده على القوات اللبنانية؟”.

أجابها: “للوهلة الاولى قد يكون هذا الانطباع صحيحاً، لكنني لم ألمس هذا الأمر في الممارسة. ولكن هنا أسأل: ما الخيارات التي كانت متاحة أمامنا آنذاك؟ التسوية أو استمرار الفراغ في موقع الرئاسة.

حينها، كان تقديرنا – وقد يكون خاطئاً – أن انتخاب الجنرال عون أفضل من الفراغ. وأقول ربما قد يكون خاطئاً، ففي مثل هذه المسائل يصعب قياس الأمور بدقّة. وأشدد على أننا كنا أمام خيارين لا غير”.


قبل جهر معراب بدعم ترشيح الجنرال بمدة طويلة، أنّ جعجع تفاوض مع فرنجية على دعم ترشيحه وتوقف عند ثلاث نقط


تُسقط هذه المعادلة – عون أو الفراغ… كنا أمام خيارين لا غير – أدبيات “الحكيم” التي ارتكزت لتبرير ما سُمّي بـ”اتفاق معراب” على معادلة أخرى: “كنّا أمام خيارين ، عون أو سليمان فرنجية”.

قد يكون إسقاط هذه الرواية مردّها إلى مصالحة جعجع وفرنجية في وجه مرشح العهد جبران باسيل. فقصّة العلاقة بين الثلاثة قصة وحدها يصلح عنواناً لها “ثلاثة موارنة من الشمال وكرسي رئاسة لجمهورية في حال يُرثى لها”.

ما لا يزال يجهله كثيرون عن خيار التحالف مع ميشال عون وتياره، بناء على ورقة “إعلان النوايا”، وقبل جهر معراب بدعم ترشيح الجنرال بمدة طويلة، أنّ جعجع تفاوض مع فرنجية على دعم ترشيحه وتوقف عند ثلاث نقط، هي دور لـ”القوات” في تسمية القائد الجديد للجيش، أن تكون وزارة الداخلية من حصة “القوات”، أن يسعى فرنجية إلى ترتيب علاقة جعجع بمحور الممانعة، “حزب الله” والنظام السوري وإيران، كي يخلفه في الرئاسة، وإن كان هذا البند غير مؤكّد.

وكان الجواب من بنشعي أن ميشال عون يريد قيادة الجيش لصهره الآخر شامل روكز، وهناك أفرقاء مؤثرون في هذه المسألة الدقيقة والقرار فيها لن يكون في يد فرنجية، ليس وحده على الأقل، ولا يستطيع إعطاء تعهد.

لكنه لن يمانع  أن تكون وزارة الداخلية لـ”القوات” إذا أدت مفاوضات تشكيل الحكومة إلى إعطائها لمسيحي من “قوى 14 آذار” آنذاك. أما النقطة الثالثة المتعلقة بالرئاسة بعد ولايته وترتيب علاقات جعجع مع الفريق الذي ينتمي إليه فرنجية، فلا مشكلة فيها.

توقفت المفاوضات عند هذه النقطة، وتألفت حكومة تمام سلام في شباط 2014 ، وفي حزيران 2015 زار جعجع الرابية وفي 18 كانون الثاني 2016 رشّح جعجع العماد عون من معراب بناء على اتفاق لم يُعلن إلا بعد وقوع خلافات حادّة بين “القوات” و”التيار العوني”، وتبيّن انّه يقوم على تقاسم حصص المسيحيين، من مواقع ووظائف في الدولة، بين الحليفين اللدودين.

وخرج شعار “أوعى خيّك” و”الرئيس القوي يردّ حقوق المسيحيين”، ووزعت اتهامات شتى في كل الاتجاهات، حتى تبيَّن لها أنّ جبران باسيل لا يحترم توقيعه. وجاء قيصر وقلب الدنيا رأساً على عقب.

وأما “ربّما” فكلمة سحرية تفتح على كل الاحتمالات. ربما استمع هو وسعد الحريري ووليد جنبلاط إلى نصائح غربية بتشكيل معارضة “عن بعد” تصحّح التوازن الداخلي في البلاد . ربّما يريد  تغيير الاتجاه الذي سار فيه مع غيره وكلّف اللبنانيين أثماناً هائلة.

ربّما.