لا حوار في بعبدا الخميس المقبل. قد تكون هذه خلاصة اتصالات الساعات الماضية التي رفعت من أسهم احتمال تأجيل اللقاء الحواري، في ظلّ معلومات تفيد بأنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لن يجلس إلى الطاولة في حال مقاطعة رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري ورؤساء الحكومات المدعوّين أو “مكّونات” أخرى.
لا يبدو رئيس الحكومة السابق في وارد تعويم العهد وحكومة حسان دياب. ويتردّد أنّ مقاطعة اللقاء هو قرار سيبلّغه رسميًا الحريري اليوم إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فيما لقاء رؤساء الحكومة السابقين في بيت الوسط سيتوّج هذه المقاطعة.
ولعلّ أهم مؤشّر على نعي اللقاء الحواري مسبقاً، أتى من جانب الوزير السابق جبران باسيل نفسه الذي رفع المتاريس بوجه الجميع تقريباً.
هي محاولة في القصر الجمهوري للملمة أشلاء العهد تحت عنوان “درء الفتنة”، تنتهي بتصلّب من جانب القوى المعارضة للعهد، فانتقل الكلام إلى طاولة باسيل في ما يشبه الانقلاب على منظومة يصدف أن العديد من رموزها كان سيجلس قبالته في قصر بعبدا!
في مؤتمره الصحافي الأخير لم يترك باسيل “ستراً مُغطّى”. ولائحة الاتهامات طويلة من حليفه الأول “حزب الله” الذي “لا يقف معنا في ملفات الفساد”، مروراُ بالحريري الذي “قرّر أن يهرب من المسؤولية ويرجع لها على رأس الثورة”، إلى المنظومة التي “تتلاعب بسعر صرف الليرة، وتسكّر حنفيّة الدولار، وتحاول إعادة نفس السيناريو الذي أسقط حكومة الرئيس عمر كرامي”، مروراً بمن “جنّ جنونه في التعيينات المالية الأخيرة، ومن أتى بأسوأ سير ذاتية إلى مجلس الوزراء وفرضها علينا”، وصولاّ إلى “الحكومة التي لا تحارب الفساد والباقية لأن ليس لها بديل الآن”، ومرّ على “الفتنة التي لا تمنعها مظاهر الحماية الذاتية المزيّفة”، و”من يحرّض علينا للتعويض عن ضعفه”، وليس انتهاءً بـ”سكوت الحكومة عن أكبر فضيحة بحقّها بالتأخير غير المبرّر بإجراء التدقيق التشريحي على حسابات مصرف لبنان، وكأنّه إخفاء لما سيظهر….”.
الرئيس عون إثر أحداث بيروت وطرابلس الاخيرة، قرّر عقد هذا اللقاء الوطني في محاولة لمنع خروج الأمور عن السيطرة في ظلّ عودة الخطاب المذهبي الكفيل بإعادة الأمور إلى نقطة الصفر
تبدو فرص تطيير لقاء بعبدا أكبر بكثير من فرص انعقاده. فطوق الأزمات يشتدّ حول عنق العهد، ولا يبدو أنّ هناك مصلحة لمعارضي الحكومة بمنحها جرعة مقوّيات على شكل مدّ حبل “الوحدة الوطنية” إليها.
والمفارقة أنّ العهد نفسه بات بحاجة إلى طاولة حوار بين “أركانه” الأساسيين في ظلّ الصراع الذي بات علنياً حول أرقام الخطة الحكومية بشأن الخسائر المقدّرة بين رئيس الجمهورية وباسيل من جهة، وبين “قائد” فرقة لجنة تقصّي الحقائق في مجلس النواب إبراهيم كنعان الذي خفّض الرقم من 241 مليار ليرة إلى أقلّ من 100 الف مليار. ويسانده في هذه المعركة عدد من النواب العونيين وقفوا صراحة ضدّ توجّه عون ومستشاره المالي شربل قرداحي وباسيل!
تقول مصادر رئاسة الجمهورية لموقع “أساس” إنّ “الرئيس عون إثر أحداث بيروت وطرابلس الاخيرة، قرّر عقد هذا اللقاء الوطني في محاولة لمنع خروج الأمور عن السيطرة في ظلّ عودة الخطاب المذهبي الكفيل بإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، وكون البلد لا يحتمل مناخات خطيرة من هذا النوع”، وقد أعدّت فوراً لائحة المدعوين على أن يتولّى اللواء ابراهيم القيام بكافة الاتصالات لتأمين حضور جميع المكوّنات السياسية قبل الإعلان عن اللقاء في الإعلام لتأمين مقوّمات نجاحه”.
مع مفاتحة عون الرئيس بري بالموضوع “أبدى الأخير تجاوباً سريعاً مع الفكرة على أن يتولّى بنفسه التواصل مع رؤساء الكتل النيابية، فيما تولّى اللواء إبراهيم محاورة الرئيس الحريري الذي سبق له أن قاطع جلسة حوار بعبدا في أيار الماضي وكانت النتيجة حتى الآن المزيد من الوقت لدرس الموضوع”.
وتجزم المصادر: “نحن لا نزال في انتظار جواب الحريري”، مع التلميح إلى أنّ “غياب أيّ مكوّن أساسي قد يؤدي إلى تأجيل هذا اللقاء الوطني الذي تمّت الدعوة إليه لتقريب المسافات بين القوى الأساسية في ظلّ مناخات غير مطمئنة سيطرت على الداخل في الأسابيع الماضية”.
طالما ليس على طاولة الحوار بند تعزيز خيار الاستغناء عن خدمات حكومة دياب، فالحريري لن يقدّم ورقة مجانية بصعوده إلى بعبدا والجلوس أمام دياب
وفيما أبدى النائب السابق وليد جنبلاط استعداده للمشاركة شخصياً أو من خلال نجله تيمور جنبلاط، مع توقّع حضور رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على أساس المعادلة نفسها “مشاركة للمعارضة”، فإنّ المعلومات تفيد بأنّ فرنجية كان متردّداً في كسر قراره بالمقاطعة. لكن بعد مؤتمر باسيل، اتّخذ القرار بتجاهل الدعوة تماماً، سيما وأنّ الأخير اتّهمه صراحة بتأمين الغطاء لفارّين من وجه العدالة وبتقديم سير ذاتية سيئة لمرشحين محسوبين عليه. أما رؤساء الجمهورية والحكومات السابقين، فإن المعطيات ترجّح مقاطعتهم للقاء”.
ويقول مطلعون إنّ “حضور الحريري قد يكون كفيلاً بتعويض غياب العديد من هؤلاء. فرئيس الجمهورية يبدو مهجوساً بواقع الفتنة المذهبية وضرورة التصدّي لها بكافة الوسائل المتاحة، وليس طلباً لتعويم العهد. ومن هنا تنبع أهمية مشاركة رئيس “تيار المستقبل” للتحاور مع الطرف الآخر في ظلّ التطورات الأخيرة التي سعّرت الخطاب المذهبي”.
في المقابل، يشير قريبون من بعبدا إلى أنّ “الحريري قد يبدّي مصلحته الشخصية على المصلحة العامة. فطالما ليس على طاولة الحوار بند تعزيز خيار الاستغناء عن خدمات حكومة دياب، فالحريري لن يقدّم ورقة مجانية بصعوده إلى بعبدا والجلوس أمام دياب بوصفه رئيس الحكومة الذي لا بديل عنه”.
ويبدو أنّ القوى السنيّة المعارضة، ستلعب ورقة “الميثاقية” بعدم سلوك طريق القصر الجمهوري يوم الخميس، في وقت تسلّم مصادر بعبدا بأنّ “حضور الحريري هو المهمّ، أما البقية فتكملة عدد”!.