لقاء بعبدا بين الانعقاد والتأجيل
وسط هذه الأجواء، واذا كانت دوائر الرئاسة تتحضر للرد على مقاطعة اللقاء بتحميل المقاطعين مسؤولية ما تصل اليه الامور على مختلف المستويات، فإن العبرة تبقى في النتائج، وفي الارتدادات السلبية على العهد وسيده وفريقه السياسي، الذي يعمل على توفير غطاء وطني جامع لسياسات خلافية تبدأ في الداخل، وتمتد الى علاقات لبنان الخارجية.
وأقرت مصادر قصر بعبدا بأن مصير اللقاء الوطني يتراوح بين خيار من اثنين: إما تأجيل وإما عدم تأجيل، وبأن نسبة حظوظ كل خيار متساوية، لذلك من المبكر تحديد أي خيار قبل معرفة الأجوبة على الدعوات الخطية التي وجّهتها بعبدا الى الاقطاب. إلا ان المصادر أعربت عن اعتقادها بأن هدف اللقاء الامن والاستقرار، سيُصعّب على القيادات ان ترفض المشاركة فيه.
وحول غياب الميثاقية السنّية في حال تغيب الرئيس سعد الحريري عن المشاركة في اللقاء، شددت المصادر على الهدف السامي للاجتماع: أمن لبنان وسلامته واستقراره، ولفتت الى تأكيد جميع القيادات اليومي على هذا الامر في مواقفها وتصريحاتها وبياناتها، ففي حال لم يشارك الرئيس الحريري في اللقاء، وتضامن معه رؤساء الحكومات السابقون، فسيتحمّلون هم مسؤولية قرارهم كونهم مدعوين الى لقاء لتثبيت الوحدة الوطنية وتعزيز الاستقرار وحماية السلم الاهلي، وهم بالتأكيد مع هذه الثوابت وبالتالي ليس غريباً ان يتمّ التأكيد على هذا الامر في بعبدا، لكن حتى اللحظة لا شيء محسوماً بالنسبة الى المشاركة او المقاطعة”.
وإذا كانت أوساط قريبة من بعبدا، تراهن على دور للرئيس برّي، الذي لم تنقطع اتصالاته.فإن مصادر نيابية بارزة قريبة من “التيار الوطني الحر” كشفت النقاب عن إتجاه لعقد اللقاء الحواري في بعبدا الخميس المقبل حتى إذا لم يشارك الاقطاب السنّة فيه، لانه لم يعد بالامكان التراجع عن هذه الدعوة او إلغائها لان انعكاساتها السلبية ستكون اكبر بكثير من عقد اللقاء بمن حضر.
الا ان المصادر تستدرك بالقول: “ان المشكلة بتجاوز تغيُّب الاقطاب السنّة تتطلب تحضير عنوان مقنع للقاء للتعويض جزئياً عن هذا الغياب، ولاقناع الرأي العام بصوابية مثل هذه اللقاءات وامكانية توظيفها في المساعي والمعالجات الجارية للازمة المالية المتفاعلة التي تتصدر اهتمامات المواطنين، وتنعكس ضرراً على مستوى عيشهم وحياتهم اليومية، متوقعا أن يقع الخيار على الخروج بتفاهم ونص واضح على موقف رسمي موحد من الحاضرين للخطة الانقاذية، لا سيما من الارقام الواردة فيها لكي تأخذ طابع الإجماع والدعم الوطني للتفاوض بموقف موحد مع صندوق النقد الدولي وتسريع الخطى للتوصل الى اتفاق معه للمباشرة بحل الازمة المالية والاقتصادية.
وفي ضوء ذلك نقلت مصادر مواكبة للاتصالات الجارية على أكثر من خط لـ”نداء الوطن” أنّ خيار إرجاء موعد انعقاد الحوار بات مرجحاً، كاشفةً عن “نصائح أسديت في الساعات الماضية إلى دوائر الرئاسة الأولى بالمبادرة إلى اتخاذ قرار الإرجاء ذاتياً في خطوة استباقية لإعلان فشل الدعوة الرئاسية تحت وطأة عدم وجود توافق راهناً على التجاوب معها وإفساحاً في المجال أمام تأمين أرضية وطنية شاملة توسّع دائرة القبول بالمشاركة غداة نضوج صيغة حوارية مقبولة من الجميع”.
بري: تحصين الداخل وتوحيد المقاربة المالية
كشف مصدر نيابي لبناني بارز أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يحرص على أن يشكل انعقاد اللقاء الوطني المزمع عقده في 25 حزيران الجاري بدعوة من رئيس الجمهورية ميشال عون، محطة سياسية لتهيئة الأجواء والظروف التي تدفع باتجاه تحصين الوضع الداخلي، لمواجهة العواصف التي تهب على المنطقة وخفض الأضرار التي يمكن أن تلحق بلبنان. وقال المصدر لـ”الشرق الأوسط”، إنه يأمل من المشاركين في اللقاء على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم أن يتوافقوا على أن حماية لبنان يجب أن تكون مقرونة بتأمين شبكة أمان سياسية – أمنية.
ولفت المصدر النيابي إلى أن الرئيس بري يشدد على ألا يترك البلد يواجه هذه العواصف، وهو في وضع يطغى عليه الانقسام والتشرذم كما هو حاصل الآن، مشيراً إلى أن جميع القوى السياسية، أكانوا في الموالاة أو في المعارضة، ليسوا في وارد الاعتراض على ضرورة تحصين الوضع الداخلي لئلا يؤخذ البلد إلى مكان لا يريده أحد، خصوصاً إذا ما انزلق نحو المجهول الذي سيترتّب عليه مزيد من التكاليف المالية والاقتصادية.
ولم يستبعد المصدر نفسه أن يقتحم الخلاف حول التوصّل إلى مقاربة موحّدة للخسائر المالية للدولة “اللقاء الوطني”، ويفرض نفسه كبند أول على طاولة الحوار من خارج جدول الأعمال الذي أعد له بذريعة أنه لم يعد من الجائز استمرار التباين حول هذه المقاربة بين “لجنة تقصّي الحقائق” المنبثقة من لجنة المال والموازنة النيابية مدعومةً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة و”جمعية المصارف” والهيئات الاقتصادية، وبين رئيسي الجمهورية ميشال عون، والحكومة حسان دياب وفريقهما الاستشاري.
ورغم أن جدول أعمال “اللقاء الوطني” يخلو من أي بند يمتُّ بصلة إلى “قانون قيصر” الأميركي الذي يفرض رزمة من العقوبات على النظام في سوريا، الاّ ان “الشرق الأوسط” علمت من مصادر نيابية ووزارية، أن “قانون قيصر” سيناقش من زاوية موافقة واشنطن على عدد من الاستثناءات، أبرزها التزامها بسريان العقد القائم بين بيروت ودمشق لجهة السماح للبنان بجر الكهرباء من سوريا إلا إذا قررت تجميد مفاعيل العقد في هذا الخصوص، إضافة إلى عدم اعتراضها على عبور الشاحنات اللبنانية المحمّلة بالبضائع الأراضي السورية إلى الدول العربية، التزاماً باتفاقية الترانزيت المعمول بها بين البلدين.
العين على بيت الوسط
تتجه الأنظار عصراً إلى “بيت الوسط” حيث من المتوقع ان يجتمع رؤساء الوزراء السابقون الحريري، ونجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وتمام سلام، لإصدار موقف موحد من الدعوة، مع جنوح الى عدم المشاركة، لأن اللقاء غير محدد الهدف، “ولم تعمل دوائر القصر على اصلاح ما أفسدته في التعامل مع الرئاسة الثالثة قبل الدعوة الى اللقاء”. وبانتظار ما سيخرج به رؤساء الحكومات السابقون من موقف إثر اجتماعهم، وسط أجواء رشحت ليلاً تفيد باتجاه الأمور نحو اتخاذ قرار بعدم المشاركة طالما لا يتضمن الحوار في بنوده قضايا أساسية ومصيرية تحاكي جوهر الأزمة الوطنية.
وعلمت “اللواء” ان اتصالات تجري بين القيادات المعنية بالدعوة لاتخاذ الموقف المناسب، لجهة ميثاقية الحوار، عبر مشاركة المكوّن السنّي الممثل برؤساء الحكومات والكتل النيابية التي يمثلونها في المجلس النيابي.
“القوات” تتشاور
في هذا الوقت، لم يتبلور موقف “القوات اللبنانية” بعد من المشاركة أم من عدمها، ورئيسها سمير جعجع في تشاور مستمر مع القيادة في “القوات” وتكتل “الجمهورية القوية” من اجل اتخاذ القرار المناسب. لكنّ اوساط “القوات” تؤكد انه “بالرغم من حرص جعجع على المشاركة في جلسات حوارية من هذا النوع تأكيداً على احترام اي دعوات تحت سقف المؤسسات الدستورية، وقد برهن في محطّتي 2 ايلول و6 ايار انه لم يأخذ في الاعتبار مقاطعة هذا الطرف او مشاركة ذاك الطرف، بل اتخذت مواقفه لإيمانه بضرورة تسجيلها انطلاقاً من رؤيتها الوطنية، فإنه ينظر هذه المرة بعين السلبية خلافاً للمرتين السابقتين، بعدما لم يتم الاخذ بدعوته في 2 ايلول الى استقالة الحكومة وتشكيل أخرى من اختصاصيين مستقلين، إستباقاً للأزمة والثورة ولم يؤخذ بمطلبه، ومطالبته في 6 أيار بتنفيذ الخطة الاقتصادية بخطوات واضحة المعالم وليس بفذلكات وتنظيرات ومقاربات نظرية، فاستفحلت الأزمة المالية وظلت الحلول معدومة.
أما كتلة “القرار الوطني” فلم يتّخذ رئيسها سليمان فرنجية قراره بعد، في وقت أن اللقاء التشاوري الذي يجتمع الإثنين، يتنازعه رأيان: الأول يعكس استياء نوابه من الجدل السياسي حول الميثاقية السنّية، ورأي ثان يدعو لعدم الغياب عن لقاء أبعاده وطنية.
ومع هذا، فإن حزب الكتائب بدوره يجتمع مكتبه السياسي الإثنين، وإذا لم تصل مداولاته الى نتيجة حاسمة قد يُرجِئ اتخاذ القرار، ويستغرب رئيس الكتائب سامي الجميل عدم وجود جدول أعمال عملي للاجتماع.