ملاحظات قبل الجوع.. لنكن بريئي الذمة

23 يونيو 2020
ملاحظات قبل الجوع.. لنكن بريئي الذمة

نتجه بسرعة الى وضع بالغ الخطورة. افضل ما يمكن توقعه هو اننا سنقف طوابير لشراء المواد الغذائية بأموالنا او الأصح بمدخراتنا. خلال اسابيع أو اشهر ستقفل غالبية مطاعم لبنان، هذا ليس توقعاً، هذا واقع، من يجول على مناطق مثل الحمرا ووسط بيروت بعد اشهر من حجر كورونا يرى الكارثة بحقيقتها. المطاعم والمقاهي فارغة كليا.

الإيجابي في هذا المشهد، ان اللبنانيين اختبروا أمس شعور ان تلجأ الحكومة الى رفع الدعم عن الطحين والمحروقات، وهو في الواقع ليس دعماً اذ ان الحكومة لا تدفع جزءا من سعر المحروقات، كل ما في الأمر انها تعطي التجار الدولار بالسعر الرسمي التي تضعه هي، ولا تتركهم فريسة السوق السوداء. المهم، الإيجابي انهم، وبإقتراح وزير الإقتصاد برفع الدعم المفترض، الذي لن يحصل، وضعوا اللبنانيين بالجو، اذ لا حاجة لرفع هذا الدعم، فقريباً لن يبقى هناك دولارات بالمصرف المركزي وسيضطر التجار الى شرائه من السوق السوداء وتالياً قد يصبح سعر ربطة الخبز، التي يبلغ اليوم دولاراً واحدا لان على سعر الـ١٥٠٠ ليرة، ٧ الاف ليرة، وربما أكثر. أما سعر صفيحة المازوت والبنزين فـالله أعلم.

الدولة تتفكك بسرعة، ولبنان مقبل على فقدان الدولار من السوق بشكل كامل، وبما أننا بلد غير منتج لشيء، فإننا سنكون أمام أزمة غذائية حقيقية، اذ لا دولارات لشراء المواد الغذائية. كما اننا سنكون أمام ازمة محروقات، وأزمة المازوت الحالية التي يعود جزء اساسي منها إلى تخزين المستوردين ليبيعوا المازوت لاحقاً بأسعار عالية، ستصبح أزمة متأصلة قريباً اذ لن نتمكن حتى من شراء المازوت من الخارج الا بأسعار مرتفعة، وعليه فإن المولدات التي قبل اللبنانيون ان تكون حلاً لهم بسبب تقنين الدولة لن تكتفي بالتقنين، فقد تطفئ نهائيا لغلاء المازوت وعدم تمكن غالبية المشتركين من دفع ثمن التسعيرة التي سترتفع بشكل هائل.

هذا المشهد ليس خيالياً، نحن قريبون جداً من الوصول إليه، وان الحلول غير متوافرة في بلد لا ينتج شيئاً. على الهامش، او في صلب الموضوع، مع استفحال الأزمة استفاق اللبنانيون ليدركوا انهم لا يعلمون بشيء. لا عمال بناء لبنانيين، لدينا فقط مهندسين، لا عمال في زراعة الا فيما ندر، لا معامل خياطة ولا عمال خياطة في لبنان. حتى أن اللبناني الذي يعمل على محطات البنزين شبه منقرض. وصل الأمر الى ان اللبنانيين لا يعملون في منازلهم. هذه الفاجعة كانت موجودة لكننا لم نشعر بها، بل اعتدنا عليها.

من يراقب طريقة واسلوب عيش اللبنانيين يشعر انهم يجلسون على ثروات طبيعية هائلة تمكنهم من هذا العيش العالي المستوى، يسافرون مرتين خلال العام، يبدلون سياراتهم وهواتفهم دورياً، يرتادون المقاهي والملاهي والمطاعم يومياً. لم يخطر ببالنا يوماً، من أين لنا هذا؟ فنحن لا ننتج ولا نبيع الخدمات ولا السياحة التي نتغنى بها كانت سياحة حقيقية، الحقيقية كانت مزحة سمجة.

من أين لنا هذا؟ من اين لنا مثلاً ان تبدل هواتفنا الذكية كل عام؟ او ان نشتري سيارات موديل السنة؟ في الواقع لقد دفعت الدولة اللبناني من الديون جزءا كبيرا من هذه الرفاهية عبر تثبيت الدولار، الذي تبلغ قيمته الحقيقية رقماً قد لا نستسيغ سماعه حتى. في الواقع، لقد استفدنا جميعاً، من دون استثناء، من مديونية الدولة التي نحملها مسؤولية الإنهيار. عشنا كأننا نملك كنوزا نصدرها ونعيش بمالها. لم ننتج شيئا وكنا نصرف الملايين. من اين لنا هذا؟ من الديون التي اتت بمليارات الدولارات. نحن صرفناها، وهم سرقوها وكلنا شركاء.

حان الوقت لندفع الثمن. جميعاً.