لكن بعيداً عن أحقية المقاطعة من عدمها، يبرز نقاش فعلي حول ثغرة أساسية في الصيغة اللبنانية، اسمها المثاقية والتي باتت سلاحا فعالا في السياسة والإدارة والحكم.
اليوم، يستخدم هذا السلاح للمرة الأولى ضد بعبدا، لكن السؤال الأساسي الذي يبرز هنا عن مكتشف هذا السلاح؟
تتحدث مصادر سياسية مطلعة في الثامن من آذار عن ان رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل فتح بازار الميثاقية، واستخدمه في الحكومات المتعاقبة وفي معارك الإتفاق على قوانين الإنتخاب، وكانت الميثاقية بالنسبة لباسيل سلاحا كاسرا للتوازن، استطاع من خلاله تحقيق مكاسب كبرى، لكنه في المقابل بالغ في إستخدامه، حتى وصل به الأمر بالمطالبة بالمثاقية في تعيين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية.
في بلد يعيش على التوازنات، لا يمكن مواجهة شعار الميثاقية، هكذا لم يصبح ميشال عون رئيساً بالرغم من دعم قوة سياسية كبرى مثل “حزب الله” له، لكنه قطع الطرق على الجميع عندما حاز على اجماع (نسبي) من المسيحيين في اتفاق معراب. هي الميثاقية، اكتشاف “ذكي” لباسيل، وقد يكون الأذكى.
اعطى باسيل حق الفيتو للطوائف، وهذا وجده الأخير رابحاً، خصوصاً ان قدرته على التعطيل كانت مرتبطة بحليف جدي كـ”حزب الله”، هذا أولاً، وثانياً فإن التراجع المزمن للمسيحيين في الدولة والإدارة مكنه من تظهير التقدم الذي حققه مستعينا بشعاره الجديد، ما حول الميثاقية الى درّة الخطاب السياسي العوني في السنوات الأخيرة.
حتى أن رئيس بلدية الحدث العوني، استخدم هذا الشعار السياسي لمنع بيع المسلمين عقارات في المنطقة.
لكن باسيل ومن خلفه العهد لاحقاً، نسي او تناسى امكانية إستخدام قوى سياسية وطائفية اخرى السلاح نفسه، هكذا تراجع باسيل أمام رئيس المجلس النيابي نبيه بري عندما اصر على حق “الشيعة” بوزارة المالية، ولم يستطع خوض معركة فعلية لأن الشعار الضمني لبري كان الميثاقية.
في المجمل، باسيل محق، خسارته جراء هذا الشعار قد تكون محدودة، في السياسة كما في الإدارة ليس للمسلمين، السنة والشيعة، ما يمكن ان يربحوه جراء هذا الشعار، فهم حاصلون على حقوقهم السياسية وعلى تعييناتهم الإدارية، هذا الشعار يسلبهم لا يعطيهم، فيأخذ منهم تعيينات مسيحية في الادارة ونوابا مسيحيين عبر قوانين الإنتخاب..
لكن عند أول فرصة، استخدمت الميثاقية ضد العهد، والساقي يُسقى بما سقى، بات الممثلون الاساسيون للطائفة السنية خارج الحكم، ويمكنهم وضع فيتو على حكومة “غير ميثاقية”، فهذا المفهوم عممه باسيل وكرسه في الحياة السياسية اللبنانية وبات من الممكن لأي كان استخدامه.
كان من الممكن ان يشكل حوار بعبدا، لحظة فك الحصار عن العهد، او الأصح ينهي محاولة عزله في السياسة، في العمق هذا هو الهدف الذي عمل عليه “حزب الله” من اسابيع، صالحه مع جنبلاط وقاربه مع برّي، لكن الحوار فشل قبل أن يبدأ، بات حواراً أعرج فاقداً “للميثاقية”. خسر الرئيس ميشال عون فرصة جدية لمشاركة عبء الإنهيار مع الجميع، فالسلاح الذي ظن انه يفيده حصراً بات في لحظة يستخدم ضده، والأهم أن هذا السلاح ضرب بمكان ما الدور الوحيد المجمع عليه لرئاسة الجمهورية، أي دور الجمع والحوار ودور الحكم، وهذا بحد ذاته خسارة إستراتيجية لـ”التيار الوطني الحر”.