لم يسبق أن رضيَ رئيس جمهورية بأن يترأس “نصف طاولة حوار” لمواجهة أزمات غير مسبوقة تطال كل طبقات وفئات وطوائف ومذاهب اللبنانيين في تفاصيل حياتهم اليومية وتهدد وجود بلدهم، فالحوار إما أن يكون جامعا في أجواء إيجابية أو لا يكون، حيث يؤكد متابعون أن “حوار بعبدا يذكرهم ويذكر اللبنانيين بنوادر الأدب الشعبي لاسيما حكاية جحا وأهل بيته”!
لا شك في أن رئيس الجمهورية كان أمام خيارين إثنين:
الأول أن يخرج على اللبنانيين ليعلن تأجيل لقاء بعبدا الى موعد يحدد لاحقا بسبب عدم إكتمال النصاب السياسي، وأن يؤكد أنه لا يرضى بعقد لقاء من هذا النوع من دون المكون الماروني ومن دون المكون السني، وأن يطلب بعد ذلك من دوائر قصر بعبدا تحديد مواعيد لكل الشخصيات المعنية ورؤساء الكتل النيابية والأحزاب لعقد حوارات ثنائية تؤسس الى حوار وطني جامع يكون قادرا على مناقشة موضوعية للأزمات وإجتراح الحلول الانقاذية لها.
والثاني أن يصر عون على إنعقاد اللقاء بمن حضر كما هو حاصل اليوم، وأن يحوّل نفسه الى طرف سياسي يتولى مع من يدورون في فلك تياره شن الهجمات على الشخصيات والتيارات التي أعلنت عدم حضورها، ما يؤدي الى تعميق الانقسام السياسي في لبنان، ويجعل طاولة الحوار “بتراء” فاقدة للميثاقية، وغير قادرة على القيام بأية خطوة على طريق الانقاذ الذي ينشده اللبنانيون.
من الواضح أن الرئيس عون إتجه نحو الخيار الثاني، ليفوّت بذلك فرصة لا تعوّض لانعاش عهده في لحظة حساسة، باستقطاب كل المكونات اللبنانية تحت جناحه.
هذا الخيار الرئاسي يؤكد أن الامور ذاهبة الى مزيد من التوتر والتأزيم، وأن الحوار الذي كان يفترض به أن يكون عامل جمع وتعاون وتعاضد، تحول الى عامل إنقسام وتراشق وتبادل إتهامات، في وقت يسأل فيه كثيرون عن دور “صهر العهد” جبران باسيل في إيصال الأمور الى هذا المنزلق، كونه ليس من المنطق في شيء أن يعقد مؤتمرا صحافيا على مسافة أيام من موعد لقاء بعبدا وأن يستهدف كل المعارضين له ويكيل لهم شتى انواع الاتهامات متحصنا برئيس الجمهورية، إلا إذا كان يسعى الى تفشيل اللقاء الحواري.
في كل الأحوال، فإن ما تشهده طاولة الحوار اليوم من غياب، قد يؤسس الى مقاطعة العهد، وصولا الى المطالبة بإسقاطه على وقع التحركات الشعبية المقبلة”.