‘حزب الله’ قَبِلَ بالتسوية؟

25 يونيو 2020
‘حزب الله’ قَبِلَ بالتسوية؟

منذ سنوات، وتحديداً منذ انتهاء المعارك الفعلية والمصيرية في سوريا وحسم نتيجة الحرب هناك، أدرك “حزب الله” أن هناك تحولا في شكل الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضده. كان على قناعة راسخة أن الهدف المقبل هو بيئته الحاضنة، او بعبارة أكثر دقة الساحة الشيعية.

هناك حرب خفية تخاض بين “حزب الله” وخصومه دائما، يعبر عنها إستسهالاً بالحرب النفسية، ويشير إليها الأمين العام للحزب بـ”كي الوعي”، وهذا ادركه الحزب باكراً وبدأ بدوره بلعب هذا الدور في مواجهة الاسرائيليين وحتى في مواجهة المقاتلين المتطرفين في سوريا، ونجح نجاحاً باهراً في السيطرة على وعي المقاتلين المعادين له وسلبهم ارادة القتال، لكن المعركة التي يتعرض لها الحزب في بيئته مختلفة.

بإختصار، الهدف هو فصل بيئة الحزب عنه، وذلك من خلال افقادهم الثقة به، وجعلهم يعتقدون أنه سبب بلاءاتهم بعدما شعروا لسنوات طويلة انه سبب إنتصاراتهم. لكن الحزب على ما يبدو أخطأ في طريقة مواجهة هذه المعركة، اذ رفع سلاح مكافحة الفساد في اطار سعيه لتحسين الوضع المعيشي لبيئته وتكفل بخوض كبرى في هذا المجال.

مع الوقت اكتشف الحزب، على الأرجح انه اخطأ، وأنه فشل، اذ وضع الى كاهله معركة لا يتحمل وحده مسؤولية خوضها، ولا يمتلك الموارد الكافية او المناسبة لخوضها، بإعتباره حزبا سياسيا له لون مذهبي معين، وتالياً لا يمكنه في هذه الصيغة الحاكمة في لبنان خوض حرب ضد قوى سياسية ذات لون مختلف واتهامها بالفساد.

في المحصلة، تكافلت الظروف، ومنها العقوبات المالية والإقتصادية على تقليص وقت الحزب في حربه على الفساد، علما ان الحرب ذاتها كانت ظهرت بوادر فشلها. غير أنه وبالرغم من تعثر الحزب في هذه المعركة، استدعى انخراطه في مثل هذا الصراع الداخلي مخاوف جدية لدى بعض القوى السياسية، نقلها بعضهم الى مسؤولين أميركيين ليتحدثوا علناً عن مساعي للحزب للثأر السياسي تحت شعار مكافحة الفساد.

مع بدء الإنهيار، ظهر أمام الحزب ان معركة مكافحة الفساد “ما بتطعمي خبز”، وان الحل يجب ان يكون أسرع من ذلك، بدأ معركة أخرى سميت التوجه شرقاً. ربما رأي الحزب ان مثل هذه الخطوة ستعطي نتيجة اسرع نسبياً، وفي ظل الواقع المعيشي الحالي، ستحصل هكذا معركة على تأييد واسع داخل الرأي العام اللبناني ولا تؤدي الى حرب اهلية كمعركة المحاسبة ومكافحة الفساد.

علما ان تطبيق القرار بالتوجه الى الشرق، لا يقل صعوبة نظرياً عن معركة مكافحة الفساد، فالمعركتان ستواجهان قوى متجذرة في الدولة والمؤسسات. كان لا بد من تسوية.

تقول مصادر مطلعة أن الحزب، بمساعدة عملية من الرئيس نبيه بري بدأ مفاوضات ثنائية مع قوى سياسية اساسية في لبنان، من دون معرفة صلب عمليات التفاوض التي تحصل. فمثلاً قدم رئيس الحزب الإشتراكي تنازلات سياسية هائلة للحزب، وهذا ما يظهر للعيان يومياً، فما هو ثمن هذه التنازلات؟

السؤال الاساسي اليوم، هل يعمل “حزب الله” على المقايضة، بينه وبين النظام اللبناني او ما يمثله؟ يتخلى عن معركة مكافحة الفساد بمعناها العملي، مقابل تسهيل قوى النظم التقليدية توجهه شرقاً أو أقله تغض النظر عن هذا الأمر؟ بعض المؤشرات توحي بأن الحزب يعقد تفاهمات بهذا الإطار، اذ ان مواجهة “الحرب الاميركية” عليه يجب ان تقترن بإدخال موارد جديدة الى الحيز السياسي اللبناني، الشرق إحداها، والهدنة مع صقور النظام الحالي إحداها أيضا.