أكثر ما يخشى منه، بدأ يحدث. الإقتصاد اللبناني دخل مرحلة التضخم المفرط أو الجامح Hyperinflation. وهو ما يعني عملياً ان نسبة ارتفاع الاسعار تخطت حاجز الـ 50 في المئة، وتتجه باطراد وبوتيرة سريعة نحو معدلات قياسية، لا يُستبعد ان تلامس رقماً مكوّناً من ثلاثة اصفار.
هذا النوع من التضخم الحاد قد تفوق معه معدلات الزيادة في الأسعار 1300 في المئة قبل نهاية العام، لتصبح العملة الوطنية بلا أي قيمة. والسبب المباشر لهذا التحول المتوقع في الأزمة اللبنانية هو تضخم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وارتفاع الطلب على الدولار مقابل انخفاض العرض إلى معدلات قياسية. الحالة الصحية للوضع النقدي في البلد يعبَّر عنها بحسب المستثمر في الاسواق الناشئة صائب الزين بـ”الحساب الجاري”، وهو المؤشر الذي يقيس الفارق بين الصادرات والواردات من البضائع والخدمات بالإضافة إلى الفارق بين الحوالات، والتدفقات المالية من وإلى الاقتصاد.
“مشكلتنا اليوم هي عجزنا عن تمويل العجز في هذا الحساب”، يقول الزين، ويضيف: “على الرغم من توقع تراجع هذا العجز من 11.5 مليار دولار في العام 2019 إلى حدود 3 أو 4 مليارات دولار هذا العام بسبب تراجع الاستيراد، إلا ان اضمحلال التحويلات المالية وفقدان الاستثمارات المالية المباشرة، التي كانت تصب في القطاع العقاري بشكل أساسي، سيحرمان لبنان من القدرة على تمويل هذا العجز ويفاقمان من حدة الأزمة”. إلى هذا العنصر الاساسي يضاف ارتفاع إنفاق الدولة والعجز في موازنتها، ولجوء مصرف لبنان عبر تعاميم 178 و151 إلى زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، بحيث “ارتفعت من 3.5 مليارات دولار في تشرين العام الماضي إلى حدود11 مليار دولار لغاية أول أيار، من أجل تمويل الانفاق العام وتلبية دعم القدرة الشرائية للمواطنين، فكانت النتيجة زيادة الطلب على الدولار سواء كان من المضاربين، التجار وحتى المواطنين”.
السؤال الأساسي الذي يطرح راهناً هو: من أين سيؤمّن الدولار لإعادة التوازن الى الحساب الجاري والحد من نزف العملة اللبنانية؟ وبلا أدنى تردد يجيب الزين: “من صندوق النقد الدولي وحتى هذا الأمل يبدو ضعيفاً، فالمفاوضات مع “الصندوق” التي لا تتجاوز مدتها في العادة الأشهر الثلاثة تبدو في لبنان من دون سقف، إذ وبعد أكثر من 4 أشهر و15 جلسة لم يتم التوافق داخلياً على الخطة الحكومية، لا على ارقام الخسائر ولا على الإصلاحات ولا على المستقبل الاقتصادي”.
أما النتيجة، فستكون استمرار استنزاف ما تبقى من احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي وذهابها سدى في سلة الدولة “المفخوتة” واستيراد الحاجات غير الملحة وتخزينها في المنازل، الأمر الذي سيدفع إلى استمرار انهيار العملة وارتفاع الأسعار وصولاً إلى أن يركب لبنان قسراً لا طوعاً موجة دول محور “الشرق” الممتد من إيران إلى فنزويلا.