بينما كان لبنان، على المستوى السياسي والقضائي، مشغولاً بالقرار القضائي غير المسبوق الذي اتخذه قاضي العجلة في صور، محمد مازح، لمنع السفيرة الأميركية دوروثي شيا، من التصريح الاعلامي، كانت قناة “ام تي في” تستصرح السفيرة، وقناة “الحدث” تعلن إعادة بث الحلقة بعد صدور القرار، و”إل بي سي” تستنكر التدخل في الحرية الإعلامية.
انتهى القرار بلا مفاعيل. بل أكثر من ذلك، وعلى طريقة المعالجة التي يتبعها النظام الأبوي المعمول به في الحياة الاجتماعية اللبنانية، اعتذرت الحكومة اللبنانية من السفيرة (قالت السفيرة إنها تلقت اتصال اعتذار من الحكومة اللبنانية) وأكدت ان السفارة “لن تسكت”، و”المهم أن تبقى حريّة التعبير في لبنان مصانة”.
احتوت الحكومة مفاعيل القرار بأقل قدر ممكن الخسائر، حفاظاً على سمعة لبنان الدبلوماسية، لكنها لم تستطع أن تحتوي تداعياته التي تترتب على الحريات، وعلى التدخل غير المسبوق في العمل الإعلامي لجهة تحديد أجندته ولائحة ضيوفه، وهو أمر لو تم السماح به، لتدخل القضاء، أو أي سلطة أخرى، سياسية أو تنفيذية أو قضائية، لتحديد تغطياته، ما يحدّ من حرية العمل الاعلامي في البلاد.
والقرار، بلا مفاعيل ملموسة منذ إصداره، لأنه يبدو كإجراء عقابي على السفيرة، بعد تصريحاتها لقناة “الحدث”، الجمعة، إذ هاجمت “حزب الله” وحيّدت لبنان من تداعيات “قانون قيصر”، بوصفه غير معنيّ بتطبيقات القانون. ظهر قرار القاضي مازح، كقرار سياسي، بما يتجاوز وظيفة القضاء، بل يهين القضاء اللبناني. أراد مازح إسكات وسائل الاعلام، وبالتالي فرض صمت إعلامي على السفيرة لمدة عام، وهو ما يخالف الاعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية، وتحديداً اتفاقية فيينا التي تمنح السفراء امتيازات وحصانات.
وأصدر “تجمع المحامين في حزب الله” بياناً أثنى فيه على “القرار الصادر بإسم الشعب اللبناني عن حضرة قاضي الأمور المستعجلة في صور القاضي محمد مازح والذي اتخذ فيه تدبيراً رادعاً للسفيرة الأميركية دوروثي شيا، ومنعها من الإدلاء بتصريحات إعلامية تهدف من خلالها إلى زعزعة الاستقرار في الوطن”. وأشار البيان إلى أن “هذا القرار القضائي الوطني المشرف والمحق يعبر عن رغبة الشعب اللبناني المقاوم بكل أطيافه”.
وبصرف النظر عن الإطار الشكلي للقضية، مثل إرسال الشكوى عبر البريد الالكتروني في يوم عطلة، مع ان القضاء لا يقبل الشكاوى الكترونياً، وتكليف المدعية فاتن قصير بتكاليف كاتب المحكمة والتبليغ (500 الف ليرة) لاستحضار الكاتب والمبلغ في يوم عطلة، فإن مضمون الشكوى يؤهلها لتحتل موقع “السابقة” في تاريخ القضاء اللبناني… ناهيك عما يمكن أن يبنى على هذه السابقة المشينة من قرارات تسطو على حرية الإعلام في لبنان، والحريات عموماً.
بالقانون، يمكن لقاضي العجلة أن يصدر حكماً بحق وسيلة اعلامية محددة، بدعوى محددة، ولا يمكن له أن يصدر دعوى بحق جميع وسائل الاعلام. فذلك ليس من اختصاصه، كما ليس من اختصاصه اصدار قرار في شأن دبلوماسي. وبذلك، هو يشرّع التدخل في العمل الاعلامي، وهو مثار الاعتراض الذي عبّر عنه الصحافيون والجمعيات الحقوقية ووسائل الاعلام.
وأصدر قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح، قراراً يمنع بموجبه اي وسيلة إعلامية لبنانية من أخذ تصريح للسفيرة الاميركية دوروثي شيا. وجاء الحكم بناء على دعوى تقدمت بها اللبنانية فاتن علي قصير، التي رأت ان السفيرة شيا وخلال مقابلة مع قناة “الحدث” أول من أمس، أدلت “بتصريحات مسيئة للشعب اللبناني..”
ويمنع القرار جميع الوسائل الاعلامية من استصراحها واجراء مقابلات معها، إذ نص على “منع اي وسيلة اعلامية لبنانية او اجنبية تعمل على الاراضي اللبنانية سواء أكانت مرئية أو مسموعة أو مكتوبة أو الكترونية باجراء اي مقابلة مع السفيرة الاميركية أو أي حديث معها لمدة سنة تحت طائلة وقف الوسيلة الاعلامية عن العمل لمدة مماثلة في حال عدم التقيد بهذا القرار وتحت طائلة الزام الوسيلة بدفع 200 الف دولار اميركي كغرامة اكراهية” في حال عدم الالتزام بهيدا الامر. وابلغ القاضي وزارة الاعلام والمجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع بهذا القرار لتعميمه على وسائل الاعلام.
ورفضت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد القرار، قائلة في تغريدة لها في “تويتر”: “اتفهم غيرة القضاء على أمن الوطن من تدخل بعض الدبلوماسيين في شؤونه الداخلية. لكن لا يحق لأحد منع الاعلام من نقل الخبر والحد من الحرية الاعلامية.. وفي حال لدى أحد مشكلة مع الاعلام فليكن الحل عبر وزارة الإعلام والنقابة والدور الاستشاري للمجلس الوطني للاعلام وانتهاءً بمحكمة المطبوعات”.
لكن عبد الصمد، عادت وقالت في تصريحات للإعلام، إن أحداً من الحكومة اللبنانية لم يقدم على الاعتذار من السفيرة الأميركية بخصوص قرار القاضي مازح.
اعتبرت المؤسسة اللبنانية للارسال انترناشيونال أن قرار القاضي “تدخل بقدسية وحرية العمل الاعلامي التي يصونها الدستور اللبناني والقوانين المرعية الإجراء، وتعتبره قرارا غير ملزم وغير نافذ، وبالتالي ستتقدم بطعن بوجهه، امام السلطات القضائية المختصة”.
وأشارت LBCI الى أن “لا قضاء العجلة ولا القضاء البطيء قادر على المس بالحريات الإعلامية، وإذا كانت هناك من تصفية حسابات سياسية، وارتضى بعض القضاء أن يكون جزءًا منها، فإن الحريات الإعلامية ليست جزءًا من هذه التصفيات ولا هي مكسر عصا، فالحرية الاعلامية إما أن تكون وإما أن تكون”.