تحت عنوان: “القاضي الذي واجه أميركا والمصارف”، كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”: قرر قاضٍ لبناني التغريد خارج السرب. أصدر محمد مازح قراراً قضائياً استثنائياً ضد سفيرة أقوى دولة في العالم. شُنّت حربٌ ضروس ضده، شارك فيها زملاء له، لكنّه أبى إلا الثبَات على قراره. وعندما استشعر وجود مكيدة تدبّر لإذلاله بالحديث عن أهليته، رمى استقالته علناً في وجه جلّاديه: “ضميري مرتاح وقراري قانوني، لن أمثل، وسأستقيل إذا تبلغت إحالتي على التفتيش”.
لم يكن القاضي محمد مازح يُفكّر يوماً في أن يُصبح قاضياً يحكم بين الناس، لكن شاءت الصدف أن يصل ليجلس تحت قوس العدالة. غير أنّ مقولة روما من فوق لم تُشبه نفسها من تحت، أُسقطت على سلك القضاء الذي انتمى إليه. راودته فكرة الاستقالة مراراً. كان ذلك بعدما أتمّ سنته الخامسة في سلك القضاء. وجد أن الحقّ المكتسب للقاضي أصبح حلماً. يرفع الصوت حيال ظلم يتعرض له حماة العدالة، ولا سيما أولئك الذين لا سَنَد سياسياً لهم.
خرج اسم القاضي محمد مازح بقوّة إلى الضوء مع بدء أزمة احتجاز المصارف لأموال المودعين. واحدة من الضربات البارزة التي سجّلها كانت إصداره قراراً معجل التنفيذ قضى بمنع سفر رئيس وأعضاء مجلس إدارة ومدير عام بنك لبنان والمهجر، وكلف المديرية العامة للأمن العام بتنفيذه بشكل فوري. وطلب حجز ممتلكات المصرف لإلزامه بإعادة مبلغ 15 ألف دولار لأحد المواطنين الذي أراد استخدام المال في استشفاء والدته. ومع زميله القاضي أحمد مزهر، أصدرا أكبر عدد من القرارات التي تُلزم المصارف بإعادة الودائع لأصحابها.
يزخر تاريخ “قاضي الناس” هذا بانحيازه للفقراء. فقد سبق أن ترك القاضي مازح شباناً جرى توقيفهم لسرقتهم حامضاً من بساتين في صور. يومها اعتبر إخلاء السبيل ليس تشجيعاً للسرقة، بل شعوراً معهم بأنهم سرقوا بدافع الحاجة. غير أنّ القنبلة التي فجّرها القاضي الذي قضى 23 عاماً في السلك القضائي، كانت قراره بمنع استصراح سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا التي تجاوزت المواثيق والأعراف الدولية بتدخّلها بشؤون لبنان وحرّضت اللبنانيين بعضهم ضد البعض الآخر، وهدّدت السلم الأهلي. وجاء القرار بعد تخاذل السلطة السياسية ووزير الخارجية ناصيف حتي الذي لم يكن ليحرك ساكناً ويجرؤ على استدعاء السفيرة الأميركية لولا الضجة التي أثارها قرار القاضي مازح. لم يكن يعلم ابن بلدة باريش في قضاء صور أن قراره هذا سيثير عاصفة من ردود الفعل، لكن غايته كانت نُصرة المستدعية فاتن قصير التي تقدمت بـ”أمر على عريضة” أمامه ضد السفيرة الأميركية. يقول مازح: “لم يكن البُعد الوطني مُحركي، بل السند القانوني. لقد اعتبرت أن المستدعية شعرت بالمهانة واستُفزّت بسب التحريض الذي أدلت به السفيرة التي تجاوزت حدودها الديبلوماسية في مقابلتها التلفزيونية. وأنا اجتهدت لاستعادة الحق المعنوي ورفع الاعتداء عن المستدعية، لأن تصريح السفيرة يمسّ بالسلم الأهلي”. وأضاف مازح أنه اتخذ تدبيراً احتياطياً لاعتباره أنّ هذا ممكن أن يُحدث خطراً.