نحو ‘السورنة’ و’الفنزولة’ درّ… إنها البداية!

29 يونيو 2020
نحو ‘السورنة’ و’الفنزولة’ درّ… إنها البداية!

ممنوع بعد الآن أن يُسمع صوت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا.

ممنوع على الصحافة، مرئية كانت أم مسموعة أم مكتوبة أم الكترونية، أن تستصرح السفيرة، أو أن يُنقل عنها أي كلام يزعج من لا تروق له السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة وفي لبنان. ومن يخالف القرار القضائي هذا سيغرّم بـ200 الف دولار (لم أفهم لماذا الغرامة بالدولار. هل لأن المعنية بالقرار هي السفيرة الأميركية، فإذا حذا حذو السفيرة شيا مثلًا السفير السوري في لبنان وأدلى بتصريحات يمكن أن يعتبرها البعض مسيئة للسيادة اللبنانية، فهل تكون الغرافة على الصحافة التي ستقرر إستصراح السفير السوري بالليرة السورية؟)

عفوًا لقلة فهمنا، لأن الأمر، كما القرار، يتخطى محدوديتنا، إذ لم نستطع أن نفهم على قاضي أمور العجلة محمد مازح لماذا يجب أن تكون الغرامة بالدولار الأميركي ولماذا لا تكون باليورو أو الجنيه الاسترليني أو اليوان مثلًا.

اعتقدنا أنه حيال هذين الأمرين: القرار القضائي أولًا، والغرامة بالدولار ثانيًا، أن القاضي مازح كان يمزح ليتبين لنا بعد ردود الفعل السياسية والإعلامية أنه أكثر من جدّي في الأمرين معًا.

المستغرب في القرار القضائي أن الدول التي نُجرّ إلى الإقتداء بها غصبًا عنّ نصف الشعب اللبناني، على الأقل، ومن دون أن يكون له رأي في ذلك، لم تقدم على هكذا قرار. فلا سوريا فعلتها ولا إيران ولا حتى فنزويلا.

أعتقد أنها البداية لنهاية هذا “اللبنان”، الذي كنا نعرفه، والذي عشنا فيه ردحًا من الزمن، على رغم أن ليس كل أيامه كانت سمنًا وعسلًا، قد ولىّ إلى غير رجعة. وإليكم الدليل:

– لا دولار بعد اليوم في أيدي اللبنانيين، بعدما أصبح سعره بالنسبة إلى الليرة اللبنانية صعب المنال، وهو يحلّق في السوق السوداء من دون إستطاعة أحد أن يلجمه أو أن يضع حدًّا لطمع الطامعين.

-الحرية ستكون مقيّدة، إذ لم يعد من المقبول أن يطلع على بال أي إعلامي إستصراح سفير بنغلادش مثلًا، وذلك خوفًا من أن يكون هذا الإعلامي يلعب لعبة خطيرة ويعرّض السلم الأهلي للإهتزاز. فمن يخالف هذا الأمر ما عليه سوى دفع مئات الآف الدولارات (سلملي على الليرة اللبنانية)، وإن لم يدفع فما عليه سوى “بيت خالته”، وخضوعه للتحقيق، وعملية سين وجيم، لها أول وليس لها نهاية.

-ممنوع التظاهر والتعبيرعمّا يعاني منه المواطنون، غير المخربين والمصطادين في المياه العكرة، لأن مصيرهم سيكون التحقيق معهم لمعرفة من يقف وراء تحركهم، وأي سفارة تدفع لهم، وكأن الوضع المعيشي على خير ما يُرام، وأن لا أزمة خبز تلوح في الأفق، ولا أزمة مازوت ولا أزمة كهرباء ولا أزمة غلاء فاحش.

-يجب أن ينسى اللبنانيون تعلّم اللغتين الفرنسية والأنكليزية، والبدء بتعلم الصينية أو الإسبانية (اللغة المعتمدة في فنزويلا) أو الفارسية.

ما شهدناه خلال آخر ستة أشهر من عمر لبنان لم نشهد له مثيلًا، حتى في عزّ ايام الحرب، وفي عزّ طروحات التقسيم والفدرلة.

لم يعد للبناني سوى هذه الحرية، التي تميزّه عن بعض الدول الطامحين لنسج علاقات معها، فلا تفرّطوا بها ولا تستهينوا بما يمكن أن تجرّه سياسة القمع وكمّ الأفواه.