عندما نزل جمهور “حزب الله” أخيراً إلى الشارع “انسحب” الثوار عن الأرض لأنهم يرفضون أن يكونوا وقوداً في أجندات “الحزب”، خصوصاً أن هدفهم إصلاح الوضع وليس أخذه نحو مزيد من التأزّم.
وفي السياق، فإن محاولات “حزب الله” في كل مرّة تسييس الحراك وأخذه إلى اتجاه المواجهة مع المصرف المركزي ما زالت تبوء بالفشل، نتيجة لوعي داخلي ضمن مجموعات الحراك الشعبي، والتي تريد إصلاح النظام المصرفي وليس تدميره واسترداد الأموال المنهوبة وقيام الدولة، بينما برنامج “الحزب” هو الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي لم يرضخ لإرادته، وما زال يعمل لمنع تبييض الأموال ويطبّق القرارات الخاصة بتمويل الإرهاب وتجفيف منابعه.
وفي السياق، تؤكد مصادر مصرفية أن ما تقوم به المصارف عموماً والمصرف المركزي خصوصاً يصبّ في مصلحة الشعب اللبناني ولحماية نظامه المصرفي واقتصاده الحرّ، لأن أي مخالفة لبرنامج العقوبات الأميركية تضع لبنان بأسره تحت مرمى تلك العقوبات وتجعل الوضع ينهار بسرعة أكبر.
وتشدّد المصادر على أنّ كل الكلام الذي قيل عن أن سلامة رضخ لشروط “حزب الله” وللتهديدات التي وصلته أثبتت الوقائع أنها غير صحيحة، فـ”المركزي” ملتزم بترشيد إنفاق الدولار لأن الإحتياطي المتبقّي هو لاستيراد الحاجات الضرورية، وإلا فإن البلاد ستقع في مشكلة أكبر.
وتلفت المصادر إلى أن الدولارات التي يضخّها “المركزي” في السوق، إن عبر الصرافين من الفئة “أ” أو عبر المصارف ليست من الإحتياطي العام لـ”المركزي”، بل إنها من التحويلات التي تأتي إلى لبنان ويتم إستلامها بالدولار وتسلّم إلى أصحابها بالليرة اللبنانية، وفق السعر الذي يحدده مصرف لبنان.
وأمام كل هذه الوقائع، فإن ما يُطمئن إلى حدّ ما هو أن الحاجات الأساسية لا تزال مؤمّنة على سعر السوق الذي يحدّده “المركزي”، وهذه الحاجات تطال الشرائح الفقيرة والمتوسطة، في حين أن استيراد المحروقات والطحين والأدوية سيظل على سعر الصرف الرسمي أي 1507 ليرات، ولن يُرفع عنه الدعم حالياً.
وتشير المصادر المصرفية إلى أن “المركزي” يقوم بكل ما لديه من قوة لتأمين شبكة إستقرار إجتماعي، في حين يتوجب على وزارة الإقتصاد مراقبة الأسعار والأجهزة الرقابية القيام بدورها، والحكومة اللبنانية مجتمعة يتوجب عليها العمل لضبط السوق ومنع التهريب إلى سوريا لأن هذا الأمر يستنزف دولارات الخزينة، ولا يستطيع المصرف المركزي إرسال جنود إلى الحدود لضبط التهريب، بل إن الأجهزة مسؤولة عن هذا الأمر.
وعلى رغم كل تدابير “المركزي” وتعاميمه ومحاولاته التخفيف من وطأة الأزمة، إلا أن الوضع الإقتصادي ذاهب نحو مزيد من التدهور مع إعتراف جميع المسؤولين سواء كانوا سياسيين أو إقتصاديين بصعوبة ضبط الدولار في السوق السوداء، وإستحالة ضخ أي من إحتياطي المصرف في الأسواق لأن هذا الأمر سيجعل الوضع أكثر كارثية.
وبالعودة إلى الصورة السياسية الكبرى، فإن سلامة يكون قد سجّل هدفاً في مرمى “حزب الله” الذي لم يستطع إقالته والإتيان بحاكم بديل ينفّذ أوامره، خصوصاً أن هناك شبكة حماية تأمّنت لسلامة بدءاً من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مروراً بمروحة واسعة من السياسيين سواء في المعارضة أو الموالاة، وصولاً إلى الخوف الشعبي من مرحلة ما بعد سلامة خصوصاً أن مشروع الإطاحة به لم يأتِ في ظروف طبيعية، بل إن “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” حاولا التسويق لها وسط عدم رضى أميركي عن تلك الخطوة.
إذاً، إن رسالة الدعم الأميركية وصلت إلى سلامة ومعه تأكيد سعودي متجدّد لدوره، وبالتالي فإن أوراق الجميع باتت مكشوفة، لكن الأساس يبقى وجع الناس وإصرارهم على معرفة هل طارت أموالهم من المصارف؟ وإذا لم تطر فمتى يستردّونها؟