وفي حديث عبر قناة الـ”LBCI”، أضاف السنيورة: “هذا القاضي هو نفسه الذي أصدر قرارات سابقة مستغربة بمنع رئيسي مجلسي إدارة مصرفين كبيرين من السفر. المسألة الأولى، أن هذا القرار الأخير أصدره القاضي بناء على شكوى من تلك المواطنة كان خلافا لكل المواثيق والقوانين المختصة بشأن العلاقات الدبلوماسية التي تربط لبنان بالبعثات الدبلوماسية العاملة في لبنان، ومتخطيا بذلك صلاحياته المكانية بكونه قاضي الأمور المستعجلة في منطقة صور وليس في المنطقة التي تمارس فيها السفيرة الأميركية أعمالها. الغريب في ذلك، أننا شهدنا مباشرة بعد ذلك تجمع المحامين المؤيدين لحزب الله يصدر مواقف داعمة لذلك القرار القضائي، وشهدنا بعدها حركات في الشارع، تابعة لحزب الله تتظاهر مؤيدة لذلك القرار أيضا”.
وتابع: “في هذه الأجواء والظروف الاستثنائية التي نعيشها في لبنان، لا يمكن عزل هذا القرار القضائي عن قرارات ومواقف أخرى يجري فيها توريط القضاء اللبناني واستتباعه، وبالتالي استعماله من أجل حرف انتباه اللبنانيين عن المشكلات الكبرى التي تعصف بهم. ومن ذلك، كان القرار الاتهامي الذي صدر مؤخرا بحق السيد علي الأمين. كذلك لا يمكن ان ينظر إليه دون الأخذ بالاعتبار استمرار فخامة الرئيس بالاستعصاء عن إصدار التشكيلات القضائية، التي أقرها وعاد وأكد عليها مجلس القضاء الأعلى. هذا كله يشير إلى أن هناك ثمة دوافع سياسية وراء هذا القرار القضائي، وربما لإرسال رسائل تهويلية غير مباشرة للأميركيين. لقد كان الحري بسعادة القاضي وفور تسلمه لتلك الشكوى أن يلفت نظر وزير الخارجية إلى الموقف والكلام الذي قالته السفيرة الأميركية، وهذا الوزير هو الجهة المخولة أساسا بهذا الأمر. كذلك كان بإمكان القاضي أن يتجنب المس بقضايا هي من اختصاص وزيري العدل والإعلام، وهما الوزيران اللذان كان يجب التشاور معهما قبل القيام بأي إجراء في هذا الخصوص يمس الإعلام والحريات الصحافية في لبنان”.
وقال: “في ما خص هذا القرار القضائي، فإن لبنان، ومن جهة أولى، ملزم باحترام معاهدة فيينا، والتي تحدد طبيعة العلاقات الدبلوماسية وصلاحيات السفراء وحصاناتهم الدبلوماسية وطبيعة العلاقة التي تحكم علاقة لبنان مع البعثات الدبلوماسية. ومن جهة أخرى، فإن ما يثير الدهشة أن يخرج القاضي بعد ذلك بتصريح للاعلام، مخالفا بذلك صلاحياته للدفاع عن موقفه بقوله إنه “إذا كان سيصار إلى التحقيق معه فإنه سيقدم استقالته”. من الطبيعي، هو حر في اتخاذ القرار الذي يريده. ولكنه، للأسف، لم يتبصر بشكل كاف ليدرك أنه وبما قام باتخاذه قد وجه لطمة كبيرة بحق الدولة اللبنانية ودفعها إلى موقف تبدو فيه وكأنها تتصرف خلافا لقواعد القوانين الدولية والعلاقات الدبلوماسية بين الدول من جهة أولى، وتتعدى على الحريات الصحافية والإعلامية من جهة ثانية. وهذا كله أثار الريبة لدى الكثير من اللبنانيين بشأن خلفيات ودوافع هذا القرار القضائي. صحيح أن هذا القرار ولد ميتا وأصبح فعليا عديم الوجود، لكنه أحرج الدولة اللبنانية. وهناك الحاجة الآن، إلى طي هذا الأمر بسرعة. وترقيع الأمور يجب ان يتم عبر وزارة الخارجية. لكنه مع ذلك، للأسف، أدى في المحصلة إلى زيادة وتفاقم حدة التردي الهائل في الثقة بالحكومة وبالعهد وبالدولة اللبنانية”.
وأضاف: “المسألة الثانية، وهي تتعلق بما يستهدفه هذا القرار من محاولات لحرف الانتباه عما يعانيه اللبنانيون من مشكلات مالية ونقدية ومعيشية وحاجتهم الماسة في هذا الوقت بالذات الى التركيز على هذه المشكلات لإيجاد الحلول الصحيحة لها. المأساة في ذلك أن هذا القاضي تقصد تفجير مشكلات جديدة تمس علاقات لبنان الدبلوماسية في الوقت الذي يفترض بلبنان أن ينشغل ويركز على السعي، ولو نظريا، إلى إطفاء الحرائق المشتعلة في أكثر من مكان واتجاه”.
وتابع: “استطاع هذا القاضي أن يتسبب بمشكلة جديدة تأتي لتشوه ما تبقى من سمعة للقضاء وللعلاقات الدبلوماسية وكذلك من سمعة الاعلام، وتطرح مسألة التعدي على الحريات في لبنان. كل ذلك من اجل حرف الانتباه والتعمية على المشكلات الحقيقية التي يعاني منها لبنان، وأن يستمر اللبنانيون مشغولين بأمور جانبية تمنعهم من التفتيش والعثور عن الحلول الصحيحة التي تعالج المشكلات من أساسها”.
وأردف: “هناك من يختلق مشكلات جديدة بينما لبنان واللبنانيون في أمس الحاجة إلى تصويب انتباههم وجهودهم نحو معالجة المصائب والويلات الأساسية. ومع الاستمرار في حرف اهتماماتهم، فإنهم في المحصلة، لا يصلون ولن يصلوا إلى إقرار المعالجات والحلول الصحيحة، لأن المسؤولين في الحكومة ومعهم حزب الله وحلفاؤه ومن يلوذون به، ما زالوا يراوغون ويرفضون ويستعصون عن القيام بالإصلاحات المالية والاقتصادية والقطاعية والنقدية التي طال انتظارها. مع أن تلك الإصلاحات هي التي يطالب بها اللبنانيون، والتي لطالما ذكرنا أشقاؤنا وأصدقاؤنا في العالم بأنها الطريق التي تأخذ لبنان واللبنانيين نحو معالجة مشكلاتهم بشكل صحيح. وبسبب هذا الاستعصاء المستمر والعناد، فقد ضاق اللبنانيون ذرعا بذلك، كما ضاق الاشقاء العرب والأصدقاء في العالم ذرعا بالمسؤولين اللبنانيين وبتلكؤهم. وهذا ما يدفع أولئك الأصدقاء للتعبير عن هذا الضيق تلميحا وتصريحا، وللأسف، ما من مستجيب”.
وقال الرئيس السنيورة: “بسبب القصور والتقصير الفادح للمسؤولين عن معالجة مشكلاتهم بدأنا نسمع كلاما قاسيا يشعر بنتيجته اللبنانيون بالأسى لسماعه، وان كانوا يدركون أهميته وضرورته. ها قد مضى علينا سنوات وسنوات والمسؤولون يعاندون ويستكبرون ويستعصون عن القيام بالإصلاحات. والأدهى، أنهم يحاولون حرف الانتباه والتفتيش عن كبش محرقة. ساعة يلقون التهم باتجاه حاكم مصرف لبنان، وساعة يحملون المشكلة للصرافين. وهذه الاتهامات كلها أقرب ما تكون إلى مظهر من مظاهر المشكلات التي يعاني منها اللبنانيون، والمشكلة الأساس تكمن في جوهرها بالانهيار الكامل بالثقة لدى اللبنانيين بالحكومة وبالعهد وبكل السياسيين. أنا أميل إلى الظن بأن حزب الله، وبعد ترحيب ممن يلوذون به بقرار القاضي مازح، هو الذي حرض تلك السيدة على تقديم تلك الشكوى، وحرض القاضي على اتخاذ هذا القرار”.
وأضاف: “ان الانهيار بالثقة والاستعصاء عن القيام بالإصلاحات المطلوبة تقع مسؤوليته على عدد من الحكومات المتعاقبة التي لم تتمتع بالتبصر والحرص اللازم لخفض حجم الإنفاق، ولم تعمد وكما ينبغي إلى ضبط إيراداتها، ولم تكن لديها الشجاعة اللازمة لاستنهاض اللبنانيين من أجل دعم الإجراءات الإصلاحية والتصحيحية. وهي الحكومات التي قبلت باستمرار وتفاقم هذا العجز الكبير في الموازنة والخزينة، ولم تتبصر بالتنبه إلى المتغيرات الاقتصادية والمالية والسياسية الجارية في المنطقة وانعكاساتها على الأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان، ولا سيما خلال السنوات العشر الماضية وتحديدا خلال السنوات الثلاث الماضية. كذلك، تقع المسؤولية الكبرى على عاتق المجلس النيابي الذي شرع هذا الانفاق، ودفع باتجاه تكبير حجم الدولة وحال دون المبادرة إلى زيادة إيرادات الخزينة، كما دفع باتجاه التوسع والزيادة في حجم الانفاق غير المبرر اقتصاديا واجتماعيا. بعد ذلك تأتي مسؤولية المصارف ومصرف لبنان، بما يعني عدم جواز تحميل المسؤولية للمودعين الذين لم يشاركوا في اتخاذ أي من تلك القرارات والاستعصاءات”.
وأكد أن هناك “إنفاقا لم يكن مبررا، وفي الجانب الآخر من كان يحول دون تمكين الدولة من ضبط إيراداتها وضبط مرافقها، ودون إقدارها على ضبط المعابر والحدود، ويحول دون اقفال معابر التهريب، وأن هذا الهدر والتفريط ما زال يستعصي ضبطه حتى الآن، وفي ذلك، يلعب حزب الله دورا لا يستهان به”.
وقال: “سمعنا تعليقا غريبا البارحة من معالي وزير الخارجية السوري وليد المعلم يتحدث عن مسألة الحدود بين البلدين، والتي يفترض أننا قد وصلنا الى توافق بشأنها من أجل ترسيم الحدود. وفي هذا الصدد، صدر القرار الدولي رقم 1680 تاريخ 17/05/2006، والداعي من ضمن ما يدعو إليه، من أمور تخص التأكيد على سيادة لبنان، الاستجابة لطلب لبنان لترسيم الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا. وإذ بنا نفاجأ بما سمعناه من معاليه بعدم الموافقة على تحديد حدود لبنان مع سوريا. لقد أصبح لزاما على لبنان أن ينتهي من هذا الأمر لا سيما وان هناك تهريبا يجري عبر الحدود اللبنانية السورية لا يمكن السكوت عليه. وهذا الامر يجب ضبطه ووقفه، خصوصا في هذا الظرف الذي يمر به لبنان”.
وأضاف: “هناك مشكلات كبيرة ومستفحلة يعاني منها لبنان، وهي غير قابلة للاستمرار. فحالنا اليوم أشبه بحال المريض الذي تكاثرت عليه مجموعة من الامراض وأصبح لديه ما يسمى بالاشتراكات، وكي تتم معالجة هذا الوضع الخطير، الواجب يقضي بالمسؤولين التوجه نحو وضع لبنان في الاتجاه الذي يمكنه من البدء باستعادة اللبنانيين الثقة بالدولة والثقة بها من قبل الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم. هذا يعني أن هناك مجموعة من الادوية على لبنان واللبنانيين أن يتناولوها، وعليهم أيضا أن يداوموا عليها حتى يبرأوا من هذه الأمراض المالية والاقتصادية التي يعانون منها. وهذه هي الادوية: الأدوية المالية، والادوية النقدية، والادوية القطاعية، والأدوية الإدارية. ولكل واحدة من هذه الأدوية هناك مجموعة من الإجراءات التي من المفروض أن يعتمدها لبنان لكي يسلك الطريق الطويل المؤدي إلى استعادة عافيته. للأسف، جميع هذه الادوية من ضمن ضميمة واحدة قد أصبحت غير كافية. فالذي كان بالإمكان معالجته قبل سنوات باستعمال بعض المراهم أصحبت هذه المراهم الآن غير كافية ولا تجدي استعمالها لوحدها”.
وتابع: “إن الحاجة قد أصبحت ماسة لاستعمال الادوية السياسية، وهي التي تأخذ لبنان واللبنانيين بالاتجاه الصحيح كي تكون هناك إدارة صحيحة لشؤونه العامة، وبما يعطي الانطباع لدى اللبنانيين وأشقائهم وأصدقائهم في العالم ان دولتهم عازمة فعلا على معالجة مشكلاتها. فهناك مشكلات تتعلق بمقاربات الحكم والحكومة للأمور، والتي ينبغي النظر فيها مليا لاستعادة السكينة والاستقرار لدى اللبنانيين، ولاستعادة التوازن الصحيح الذي اختل في الداخل وفي الخارج، ولا سيما في علاقات لبنان مع باقي الدول في المجتمعين العربي والدولي. هناك رسائل محددة على المسؤولين البدء بإرسالها، وهي كفيلة بتظهير التوجهات الصحيحة، وبما يؤكد على ان لبنان لديه الإرادة والتصميم بأنه سوف يستمر في سلوك والتقدم على المسارات الإصلاحية. على سبيل المثال، هناك رسائل ينبغي على فخامة رئيس الجمهورية والحكومة أن يبادرا سوية إلى إرسالها بطريقة واضحة وصريحة، وهي رسائل تعطي صورة عن أن لبنان عازم ومصمم على أن يعالج مشكلاته. الأمر الأول، التوقف عن بهدلة القضاء وشرشحته، كما يجري الآن، والتوقف عن استزلام القضاء للسياسيين. هذه التشكيلات القضائية المجمدة مضافا إليها كل الممارسات التي لها علاقة بالقضاء والتي تسهم ببهدلة وشرشحة واستتباع القضاء للسياسيين، وهي الأمور التي يجب أن تتوقف فورا”.
وأكد أن “التشكيلات القضائية يجب أن تتم اليوم، حتى يصار إلى إرسال رسالة واضحة الى اللبنانيين والى المجتمعين العربي والدولي بأن لبنان بلد يحترم نفسه وقوانينه واستقلالية القضاء”.
وقال: “الامر الثاني، ان تنفذ الحكومة القرارات الإصلاحية الصحيحة بشأن موضوع الكهرباء. فلم يبق أحد في لبنان ولا لدى الأشقاء العرب وأصدقاء لبنان في العالم، إلا ونصح اللبنانيين والحكومة بضرورة معالجة مشكلة الكهرباء والمسارعة إلى تطبيق قانون الكهرباء. للأسف، لم تكن هناك من استجابة لذلك على مدى العديد من السنوات الماضية وما زال الاستعصاء قائما حتى الآن. المؤسف أنه وقبل أسبوعين، تجرأت الحكومة وأخذت قرارا بموضوع معمل كهرباء سلعاتا الذي أصبح عمليا غير قابل للتنفيذ، وذلك بصرف النظر عن إنشاء هذا المعمل. ولكن أجبرت الحكومة بعد ثلاثة أيام على التراجع عن القرار الذي أخذته، فأثبتت بذلك، للقاصي والداني، أنها ليست صاحبة القرار لا تتمتع بأي نوع من أنواع الاستقلالية. وتراجعها عن هذا القرار وعدم مبادرتها لإصلاح القطاع هو عينة من عينات الادوية القطاعية التي تحدثت عنها، والتي ينبغي على الحكومة أن تقوم بتنفيذها. هناك مثلا ثلاثة قوانين قطاعية أساسية ما زالت حتى الان غير مطبقة، وهي التي صدرت قبل 18 سنة: قوانين الكهرباء والاتصالات والطيران المدني، التي من الواجب الشروع فورا بتنفيذها”.
وأضاف: “الأمر الثالث، يتعلق بقانون أصدره مجلس النواب ويتعلق بموضوع إعادة الاعتبار للادارة اللبنانية بترشيقها وزيادة فعاليتها وتحسين مستويات ونوعية أدائها، وهو يعني الالتزام بمعايير الكفاءة والجدارة والاستحقاق والتنافسية والشفافية في إيلاء المسؤولية في إدارات الدولة ومؤسساتها لأكفائها. وما حدث أن مجلس النواب أقر القانون الجديد، ولكن المؤسف أن الحكومة أصرت على عدم نشره حتى تتمكن الأحزاب الممثلة فيها من إجراء التعيينات الجديدة، والتي تتيح لتلك الأحزاب تقاسم المراكز الشاغرة بما يوافق مصالحها ويمكنها من زيادة سلطتها وقبضتها على الدولة بإداراتها ومؤسساتها. وهذا ما يدل على مدى استزلام واستتباع الدولة اللبنانية بإداراتها ومؤسساتها للأحزاب السياسية والطائفية والمذهبية. المحزن في ذلك هو تفاقم أحوال الإدارة اللبنانية ومعها أحوال الدولة التي أصبحت أشلاء يتقاسمها أصحاب النفوذ والأحزاب الطائفية والمذهبية. وفي ذلك يدفع الاقتصاد اللبناني والمواطنون الثمن الباهظ من حاضرهم ومستقبلهم”.
وتابع: “الأمر الرابع، لقد سمع اللبنانيون كثيرا عن التزام الحكومة في جميع البيانات الوزارية، بسياسة النأي بالنفس. للأسف، لم يجد اللبنانيون أن الحكومة التزمت بتلك السياسة خلال السنوات العشر الماضية. لقد فجع الأشقاء والأصدقاء بأن الحكومة لا تحترم بيانها الوزاري في مسألة النأي بالنفس، وتزايدت فجيعتهم بكونها تمارس عكس ذلك. ويبدو ذلك واضحا من خلال تورط حزب الله ومعه يتفاقم تورط الدولة في التدخلات الحاصلة في سوريا وفي أكثر من بلد عربي. لم تقتصر المشكلة على تلك التدخلات، انما تعدتها بحيث أصبحت الحكومة، وفي طريقة أدائها، تؤدي وتتسبب بإحداث وتفاقم الخلل في التوازنات الداخلية والخارجية ولا سيما في ما خص العلاقات مع الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم”.
وأردف: “الأمر الخامس، كم يكون مفيدا لو أن فخامة رئيس الجمهورية يبدي استعداده للدعوة إلى لقاء وطني يبحث في الاستراتيجية الدفاعية بشكل جدي يوصل إلى استعادة الثقة بالدولة وبهيبتها وسلطتها، فإذا حصل ذلك نرى مدى الانعكاس الإيجابي لجهة التقدم الصحيح على مسار استعادة الثقة لدى اللبنانيين والأشقاء والأصدقاء”.
وقال السنيورة: “إن التقدم على مسارات هذه المجالات الخمسة، والتي ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر، كفيل بإعطاء الإشارات الأولى على التغيير الإيجابي الذي يمكن ان يحصل على المناخات التي تصبح عندها مؤاتية للبدء في استعادة الثقة بالدولة اللبنانية. لكن للأسف، وعلى العكس من ذلك كله، نرى المواقف التي تتخذها الحكومة والتي تفتعل وتتسبب بإيجاد مشكلات جديدة لحرف الانتباه عن المشكلات الحقيقية. إلا أن ما يفاقم ذلك أن هناك من يحاول افتعال صدامات ومواجهات بين اللبنانيين بعضهم بعضا، ويجعلهم تحت تأثير التهويل الدائم للسلاح ولسطوته ولتأثيرات وهجه، والاضطرار إلى الانصياع له خشية وقوع الصدامات الداخلية أو التهديد بالمواجهات أو في افتعال الفتن الطائفية”.
أضاف: “المسارات الصحيحة نحو الحلول الحقيقية لمشكلات اللبنانيين هي في العودة من جديد الى الأصول، العودة الى احترام اتفاق الطائف واستكمال تطبيقه، وإلى احترام الدستور، والعودة الى احترام القوانين واحترام مصلحة الدولة اللبنانية وسلطتها الكاملة على جميع أراضيها، والتأكيد على احترام الشرعيات الوطنية والعربية والدولية، والعودة الى احترام الكفاءة والجدارة بتسليم المسؤوليات الى اكفائها والتأكيد على استقلالية القضاء”.
وعن وصف السفيرة الأميركية “حزب الله” بالإرهابي، قال: “هذه الأحوال هي التي دفعت السفيرة الأميركية إلى أن تقول ما قالته عن لبنان، فربما قالت ما قالته بطريقة فجة، ينبغي معالجة المسألة من قبل وزير الخارجية مع السفيرة مباشرة وان يتوصلا معا إلى معالجة الأمر واطفائه وعدم تأجيجه. ولكن ألا يجب ان نتساءل كذلك عما قالته رئيسة الصندوق النقد الدولي كريستينا جورجينا بأنها لا تجد أي مؤشر يدفعها إلى التأمل بأن هناك تغييرا يلوح في الأفق أو قد يحصل في لبنان، وان قلبها ينفطر على لبنان؟ ما كان أغنى فؤاد هذه المسؤولة أن تقول مثل هذا الكلام لولا استمرار الاستعصاء عن القيام بالإصلاحات المطلوبة في لبنان. لا أريد أن أعود إلى السنوات الماضية، وليس في ذلك تقليلا من مسؤوليات أولئك المسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية عما جرى، ولكن التركيز على هذه الفترة القصيرة الماضية، فلبنان منذ الانتفاضة في 17 أكتوبر، ما زال يحجم عن القيام بأي عمل يؤدي إلى المباشرة بتنفيذ أي من هذه الإصلاحات التي طال انتظارها”.
وأضاف: “بالعودة إلى الأمر الأساس وهو ضرورة أن يبادر لبنان وفخامة الرئيس ورئيس الحكومة بالذهاب مباشرة إلى المعالجة الحقيقية لأصل المشكلات. لقد جرى اللقاء بالقصر الجمهوري الذي دعا إليه فخامة الرئيس، فإلى ماذا انتهى ذلك اللقاء؟ لم يجر خلاله بحث أي من المشكلات من جذورها. والنتيجة المؤكدة أنه وبمجرد ما انتهى اللقاء كانت ردة الفعل في أسواق القطع غير الرسمية أن عاد الدولار مرة ثانية إلى الارتفاع، لأنه لم تجر معالجة صحيحة لأصل المشكلات. لذا، علينا ان نتوجه فورا لمعالجة جوهر المشكلات. كفى تلهيا وتضييعا لوقت اللبنانيين، وكفى ما قمنا به حتى الآن من تضييع وتفويت للفرص. لنعترف أننا بتلكؤنا استدعينا العالم في الداخل والخارج كي “يحكي علينا” ويكيل لنا الاتهامات بالقصور والتقصير، وان يستنتج هذا العالم ان لا إمكانية ترجى من اللبنانيين في التنبه إلى المخاطر التي تحيق بهم، وما ينبغي عليهم القيام به لرعاية مصالحهم. وبالتالي ها هم يمتنعون عن التعامل معنا بجدية واحترام ولا يقومون بأي عمل جدي لمساعدتنا”.
وتابع: “كفى تضييعا للوقت فما يجري الآن هو هدر لكرامة اللبنانيين، وهذا أمر لا يجوز أن يستمر. ما يجري الآن هو عمل ممنهج ينحو نحو تدمير للمؤسسات اللبنانية وللقانون وللدستور وحط من كرامة اللبنانيين، وتدمير للقمة عيشهم، لأن هناك من يستمر في الاستعصاء عن معالجة جذور هذه المشكلات. لننظر إلى التداعيات السلبية التي نراها بأم العين لما يجري من تدمير لمستوى ونوعية عيش اللبنانيين بسبب الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة، ولمستوى ونوعية عيشهم، فكيف يمكن أن تكون لهم حياة لائقة وبالحد الأدنى الآن؟ وماذا يجري على صعيد فرص العمل المتقلصة؟ وماذا ستكون تداعيات ذلك على صعيد الأمن من جهة وعلى صعيد المدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها؟”.
وقال: “ما قالته السفيرة يجب أن يتولاه وزير الخارجية ويجب طيه سريعا. ولا يجوز لنا أن نخوض فيه بالطالع وبالنازل، ولا أرى مصلحة للبنان في ان يستمر الضجيج حول هذه المسألة. إن أداء الحكومة السيىء وتلكؤها وعدم قيام فخامة الرئيس ورئيس الحكومة بالمعالجات المطلوبة أصبح يجرىء الآخرين والعالم على لبنان. هذا الاستعصاء على الإصلاح لا يجوز أن يستمر. يكفي هذا الإذلال للبنانيين ولكراماتهم وللقمة عيشهم. أنا استغرب أنه وحتى الآن، ما زال هناك تلكؤا واستعصاء وصما للآذان عما يجري. وأتساءل كيف يتمكن هؤلاء المسؤولين من النوم في الليل؟ ألا يرون بأعينهم حال القلق والهم التي يعيشها اللبنانيون منذ أشهر؟ ما هو مدى الغضب والتوتر الذي يساورهم؟”.
أضاف: “لبنان الآن على وشك الدخول بمرحلة hyperinflation، كيف يمكن للمسؤولين أن يعالجوها وهم على هذه الحال من التخبط؟ الأمور ما عاد بالإمكان معالجتها بالمراهم. انتهى وقت المراهم وأصبح الآن وقت المعالجات الصحيحة والجذرية إذا لم تتوفر للبنانيين فرص استعادة الثقة بالدولة والحكومة فلا أمل يرجى على الإطلاق. لقد أرسلت منذ من حوالى السنتين، رسالة من صفحتين، الى فخامة الرئيس، ونسخة منها إلى رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة والعديد من المسؤولين في الدولة وفي الأحزاب، أردت منها أن أسلط الانتباه على الفكرة الأساسية للمبادرة في القيام بالإصلاح وبالخط العريض. وقلت حينها: إن الإصلاح أمر تقوم به الأمم عندما تكون قادرة عليه، وليس عندما تكون مجبرة عليه، لأنه عندما تصبح مجبرة تكون الحال قد أصبحت عمليا على نسق الحال التي أصبحنا عليها الآن في لبنان. عندها تكون العملية الإصلاحية أصبحت شديدة الكلفة والاوجاع، وهذا هو تحديدا ما أصبحنا عليه اليوم”.
وختم: “ليت المسؤولين قادرون أو راغبون في التبصر والرأفة بحال لبنان واللبنانيين. ليتهم راغبون في معالجة المشكلات المحيطة بنا من كل جانب. ليتهم يسارعون إلى اتخاذ القرارات الضرورية. فهل تكون لديهم الشجاعة للبدء بالمعالجات الصحيحة؟”.