قرار قيادة الجيش الأخير بالإستغناء عن اللحوم في طعام العسكريين اثناء الخدمة، إن صحّ، فإنه يشكّل انتكاسة جديدة تُضاف الى سلسلة انتكاسات أمكن تسجيلها في ظل عهد رئيس، تولى يوماً زمام المؤسسة العسكرية، ووُلد من رحمها، لأن وجبة كل عسكري، في عهده يجب أن تكون مُعززة كي يتمكّن الجيش من القيام بالمهام المنوطة به، لا أن يتعرّض للتقنين في طعامه، بعدما انخفضت قيمة راتبه بفعل تحليق الدولار، وأُنهكت قواه في زواريب الشوارع.
هذا ما أجمع عليه المراقبون، فما حصل في نظرهم، يُشكّل ضربة معنوية للعهد. ويذكّر هؤلاء بأن الاستقرار يقوم على ركائز ثلاث: المالية وقد انهارت والسياسية وهي غير موجودة بفعل الانقسام السياسي وغياب الوحدة الوطنية، وتبقى الثالثة والاخيرة، وهي المؤسسة العسكرية، وأي انهيار فيها لا سمح الله، يعني انهيار الهيكل اللبناني. وبالتالي، فإن ما يتعرّض له الجيش في هذه المرحلة خطير.
وفي حين دعا النائب مروان حمادة “العماد عون وحكومته الموقّرة، الى إسداء خدمة أخيرة للشعب اللبناني بالاعتزال فوراً قبل فوات الاوان، وبعدما بلغت الامور حدّاً أشارت اليه الكنيسة المارونية عبر تأكيد البطريرك الراعي بأن انقاذ لبنان 2020 في مئويته الاولى، قد يحتاج جهداً لا يقل تضحية وتعبئة لبنانية ودولية عما بذل لإنشاء لبنان الكبير العام 1920 مع البطريرك الحويك، استمزجت “نداء الوطن” مواقف نواب، عمداء سابقين حول إخراج اللحم من طعام الجيش وتحوّله تدريجياً جيشاً نباتياً، فتنوعت الأجوبة لكن الجميع توحّد حول التأكيد ان الجيش يبقى الضامن الوحيد للبلاد.
قاطيشا: ما يحصل خطير جداً
قال النائب وهبي قاطيشا: “الجيوش التي تجوع، لا تُقاتل، ولا تُنفّذ مهمّات، ولا تضبط أمناً، ويُخشى عندها من زرع الفوضى.
وعبر التاريخ، الجيوش التي جاعت تفكّكت وتحوّلت عصابات مسلحة في المناطق التي كانت تُسيطر عليها سابقاً.
لذلك خطر كبير على جيشنا ألّا يتغذّى، او ان يتعرّض للجوع، وهذه سابقة لم تحصل من قبل، حصل شيء من قبيلها في اواخر الثمانينات عندما كان العماد عون قائداً للجيش، وتلقّى اعانات مالية من الشهيد رفيق الحريري وتم توزيع مبالغ ضئيلة على العسكريين كسند للعائلات وليس من اجل مأكل الجيش في المطبخ.
لذلك، اعتبر ما يتعرّض له جيشنا اليوم هو خطير وخطير جداً، خصوصاً في ظل الضائقة المالية والجوع الذي يشهده لبنان. فاذا جاع الجيش، وانتشرت الفوضى، نخشى من أن يصبح عاجزاً عن تنفيذ المهمّات او عن ضبط الامن، فيفلت عندها “الملق” في كل المناطق، وتحكم شريعة الغاب.
والخوف الاكبر من انقسام الساحة اللبنانية الى ساحات جغرافية عدّة، في عكّار والبقاع والشمال والجنوب وجبل لبنان وبيروت وتفريخ الدويلات في كل منطقة ومدينة وحيّ، فعندها يصبح اللبنانيون خاضعين للمسلحين وهم عناصر الجيش وتدبّ الفوضى في كل انحاء البلاد.
لذلك هذا أمر خطير جداً ويجب ان تتنبّه له الدولة والحكومة وان تعالج الأزمة بشكل جدي، وألا تترك الجيش يتعرّض للجوع مهما كان الثمن، علماً ان جيشنا انضباطي جداً على شاكلة الجيوش الغربية، فهو ليس جيش النظام او جيش الحاكم بل جيش الدولة جيش اللبنانيين.
فاذا اوصلناه الى هذه الدرجة من الفوضى والجوع يُخشى ان يتفكك لاحقاً، واذا تفكك الجيش يُقضى على لبنان”.
بانو: تخفيض وليس حرماناً
وأوضح العميد انطوان بانو انه “بادرت الى الاتصال بمسؤولين في قيادة الجيش وبعدد من رفاقي الضباط في الوحدات العملانية. فأبلغوني أنه بسبب تدنّي القيمة الشرائية للأموال المخصصة لتغطية نفقات التغذية، ارتأى القيّمون تخفيض كمية اللحوم التي تُقّدم لوجبات العسكريين واستبدالها بالدجاج”.
وشدد على ان الواجب اليوم تجاه المؤسسة العسكرية هو تقديم كلّ الدعم الممكن ورفع ميزانيتها في هذا الوقت العصيب على غرار دعم المستشفيات الخاصة والسعي لدعم القطاع التربوي، وقال: “هذا واجب عليّ كوني أولاً ابن المؤسسة العسكرية وثانياً كوني عضواً في المجلس النيابي”.
وتمنى “على الأصوات النشاز التي نسمعها اليوم عدم اللعب على وتر الشعبوية واستثمار ما يجري في زواريب السياسة الضيقة، التي تحاول للأسف مرة جديدة رمي المسؤولية على عهد الرئيس العماد ميشال عون الذي هو من رحم الجيش”.
طالوزيان: لينتفضوا فالبلد “رح يطير”
النائب جان طالوزيان استذكر الفترة التي امضاها في الخدمة العسكرية وقال: “مرت علينا ايام اكثر صعوبة وبلغت رواتبنا 30 دولاراً في الشهر مع التلاعب الحاصل بالعملة الخضراء، وتناولنا طعاماً مطهواً بلحم المعلبات وكنا نقاتل في الوقت نفسه. والمشكلة اليوم كبيرة جداً وهي ليست على الجيش وحده بل على كل البلد وعلينا ان نتحمل سوياً”. وقال: “انا ضد “يشيلو فرنك” من الجيش لكن المشكلة أكبر منه، المشكلة ان البلد رح يطير، والتضحية مطلوبة من الجميع”.
واعتبر ان “الجيش يجب ان ينتفض ليس بسبب طعامه، فهذا آخر همه بل لأن البلد “رح يطير”.
يجب ان ينتفض الجميع لكن ليس ان تذهب الثورة في اتجاه آخر، بل ان ينتفضوا من اجل الوضع المعيشي السيئ من اجل الاصلاح فالعسكري يبقى بلا طعام من اجل بقاء البلد. فما يحصل هو أخطر من انقلاب كنا نشبه اوروبا واليوم صرنا نشبه سوريا وان شاء الله لا نصير اسوأ، والجيش هو أكثر من يعضّ على الجرح عندما يكون الوطن موجوعاً”.
روكز: سيتأثّر معنوياً
النائب شامل روكز لفت الى ان السلك العسكري لديه نفس معاناة الشعب اللبناني ووجعه ويواجه نفس الظروف وقال: بالطبع لن ينقطع الطعام عن الجيش لكن ما يحصل ستكون له ارتدادات معنوية كثيرة على العسكر”.
وأكد ان “على المجموعة السياسية التي اوصلت البلد الى ما وصل اليه اليوم تحمّل المسؤولية والتفتيش عن حلول أخرى”.
وشدد على “ضرورة الحفاظ على معنويات الجيش ومعالجة الأمر بطريقة لا تؤثر على مردوده”.
وأضاف: “السلطة تريد تركيب الامور على ذوقها وتضع الجيش في موقف صعب وهو لا يستطيع ان يتحمّل الى هذا الحدّ، بين وضع اقتصادي متردّ، والضغط الذي يتعرض له من جهة، والتطاول عليه في الشارع من جهة اخرى”.
وقال: “موقفي من الثورة معروف ومع تأييدنا لحق التظاهر والتعبير عن المطالب المحقة وتعاطفنا مع معاناة الشعب في ظروف مأسوية على الجميع ان يتحملوا مسؤولياته، فالمؤسسة العسكرية لا يوجد غيرها ضمانة، فعلى السلطة ان تراعي وضعها وتحافظ على معنوياتها في الظروف الاستثنائية”.
ورأى روكز ان استقالة الحكومة تحل جزءاً كبيراً من المشكلة منتقداً “أداءها المتردد”، ومؤيداً تأليف حكومة جديدة مستقلة من كل الالوان وتضم أصحاب خبرات تتمتع بصلاحيات استثنائية وقدرة على التشريع.
سكرية: تعديل شروط الوجبة طبيعي
العميد الوليد سكرية لفت الى ان “التقشّف شمل كل الشرائح نتيجة انخفاض قيمة العملة الوطنية وتقلّص قدرة المواطنين الشرائية”.
وقال: “الجيش مؤسسة لها موازنة من ضمن الموازنة العامة وجزء من موازنته للصيانة والطبابة وجزء آخر للتغذية. وكلفة تغذية كل عسكري كل يوم تُحتسب في ضوء دراسة علمية، وما يتطلّب من انواع غذاء يُدرس ويحدّد وعلى ضوء هذه الدراسة تُحدّد الوجبة الغذائية وكلفتها بسعر اجمالي يكون منخفضاً في ضوء مناقصات يتقدم بها المتعهدون.
اليوم ونتيجة خفض سعر الليرة، حكماً هذه المواد اصبح من الصعب على المتعهدين تأمينها وفق تصاعد الاسعار، مما يدفع الجيش لإعادة تحديد المواد الغذائية المطلوبة وفق الموازنة المحددة والاسعار الرائجة، فيضطر لالغاء بعضها مثل اللحمة والتعويض بمواد أخرى ارخص وهذا شكل من اشكال التقشف يعتمده الجيش، تمشياً مع وضع مالية الدولة على الّا يقلص القيمة الغذائية للوجبة”.
أضاف: “التدبير الذي اعتمده الجيش اليوم لا انعكاسات له عندما يرى العسكري ان كل الشعب في حالة تقشّف، سيأخذ في الاعتبار ان هذا الوضع هو وضع الجميع. فتعديل شروط الوجبة الغذائية طبيعي وفقاً للوضع المالي شرط ألا يُنتقص منها على نحو يؤثّر على قدراته”.
ورأى سكرية ان “ما يحصل لن يؤثر على معنويات العسكريين لأن لبنان بأسره في انهيار معيشي، واعتبر ان الحل يكون بأن تدرس الحكومة مع وزارة الدفاع تأمين مبلغ للحفاظ على النوعية الغذائية التي تؤمّن للعسكري المتطلبات الغذائية ليحافظ على قدرته.
لكن سكرية أكد أخيراً انه اذا استمر رفع الاسعار فسنصل الى وقت لا يستطيع الجيش تأمين الوجبات اللازمة لكل العسكريين، فيضطر الى زيادة نسبة المأذونين وتخفيض عدد العكسريين المُتغذّين، أي الجاهزين عملانياً، وهذا يؤثر سلباً على القدرة العملانية للجيش”.