يُجمع قضاة حاليون وسابقون، على انّ ما انتهت اليه قضية القاضي محمد مازح كان طبيعياً ومنطقياً، لا يقبل كثيراً من الجدل القضائي، وان احتفظت القضية بوجوه متعددة قياساً على شكل التعاطي معها رفضاً او قبولاً، سواء وُجد من يوجّه التحيّة اليه او إدانته، في ظلّ صمت احتفظ به البعض، في انتظار النتائج التي يمكن ان تؤول اليه تطوراتها. فلا شيء يمنع من بقائها حيّة لبعض الوقت على خلفية اعتبارها خطوة يمكن الاستثمار فيها في السياسة، وخصوصاً انّها جاءت في توقيت حرج، احتدمت فيه المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية وايران من جهة، وتجلّت انعكاساتها المباشرة في لبنان من جهة أخرى، من خلال «الطحشة» الديبلوماسية الأميركية التي لا سابق لها، وردّة الفعل التي عبّر عنها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وإصراره على تحميلها مسؤولية الأزمة النقدية في لبنان والحصار المضروب عليه من جهات العالم الأربع، بعدما افتقد لبنان نصيراً له من الغرب والعرب.
وعليه، توقفت مراجع قانونية وسياسية امام التطورات الأخيرة، فقرأت في وجوهها المتعددة اكثر من رأي وسيناريو. فما شهدته الايام الثلاثة الفاصلة بين صدور قرار القاضي مازح في يوم عطلة رسمية بعد ظهر السبت الماضي، وحتى تقديم استقالته ظهر امس الاول الثلثاء، من احداث متلاحقة، اوحت بكثير مما يمكن قوله. فقراره بشقيه، الذي منع فيه السفيرة الأميركية من الإدلاء بأي تصريح، وحظره على وسائل الاعلام اللبنانية استقبالها لمدة سنة، خضع لكثير من الانتقادات من اهل البيت القضائي، وان شاطرهم سياسيون واعلاميون الرأي والموقف، فقد وُجد من يرحّب بجرأته الى حد اعتباره قاضياً شجاعاً ذهب بعيداً حيث لا يجرؤ الآخرون.
وبمعزل عن الجوانب القضائية والقانونية التي افرغت قرار مازح من مضمونه، قياساً على صلاحياته المكانية كقاضٍ للامور المستعجلة في منطقة بعيدة عن بيروت، فانّ لها وجوهاً اخرى يمكن التوقف عندها. فان اعتُبرت مقابلة السفيرة دوروتي شيا سبباً في اصدار قراره، لا يمكنه ان يتناولها، فقد جرت وقائعها التلفزيوينة عبر محطة “الحدث – العربية»” التي تبث من خارج الأراضي اللبنانية. وان سعى الى ان يطاولها، فقد لجأ الى منع تكرارها، من خلال قراره منع وسائل الاعلام اللبنانية من استقبالها او بث مثيلاً لها لمدة سنة كاملة، وهو ما شكّل مساً بالحرّيات الاعلامية وقوانين مختلفة. وان برّر الخطوة باعتباره انّ مضمونها يشكّل تدخّلاً في الشؤون الداخلية في لبنان ومساً بالسلم الأهلي والحضّ على الفتنة، فإنّه لم يُصب، لمجرد تجاوبه مع مضمون الاستدعاء الذي بلغه بالوسائل الالكترونية، من جهة لم تقدّم كامل المستندات الخاصة بالإخبار، فلجأ الى وسائل التواصل للوقوف على مضمونها، قبل ان يبني قراره على ما توافر لديه من معطيات قادته الى ما اقترحه.