كتبت صحيفة “الأخبار”: بعد أشهر من المراوحة، قرر حسان دياب الانتفاض في وجه الحصار الأميركي – السعودي الذي يتعرض له لبنان. فتح أبواب الشرق على مصراعيها، لمناقشة سبل التعاون للخروج من الأزمة الخانقة. أعلن أنه “لن نقبل أن يكون البلد والشعب اللبناني صندوق بريد داخلي لمصالح ومفاوضات وتصفية حسابات خارجية”.
لم يقرّ الرئيس حسان دياب بفشل حكومته في مواجهة التحديات والتخفيف من سرعة الانهيار وحجم الصدمة والأضرار التي ستصيب البلد. ما حصل أن الانهيار صار أسرع مما تصوّر كثر، وحجم الأضرار صار أكبر من أن يتحمّله الناس، وقد خرق الدولار حاجز العشرة آلاف ليرة، مترافقاً مع انقطاع شبه تام للكهرباء، ومع ارتدادات ستظهر توالياً، كلما مرت الأيام.
ما العمل، وكيف الخروج من هذا النفق؟ صار سهلاً القول أن لا أفق. حتى خيار صندوق النقد، بكل ما فيه من شرور وتداعياته القاسية على الصعيد الاجتماعي، ثمة مِن المنظرين تاريخياً له من يعمل ليل نهار لإفشاله، حماية لأصحاب المصارف.
الهاجس اليوم هو العتمة. اجتماع طويل عُقد أمس بين وزارة الطاقة ومنشآت النفط ومؤسسة كهرباء لبنان، أسفر، على ما تردد، عن اتفاق بأن تزوّد المنشآت المؤسسة بما أمكن من المازوت. يدرك المجتمعون أن الآلية لن تغيّر في الواقع المأسوي الذي جعل الناس يعودون إلى نهاية الثمانينيات، زمن قناديل الغاز والشموع.
الاستنفار كله، وإيهام الناس بالاهتمام بزيادة ساعات التغذية، لا يغطي مسؤولية وزارة الطاقة، بشخص وزيرها ريمون غجر، بفقدان الفيول. أما إشارته إلى أن السبب يعود إلى القرارات القضائية بالحجز على باخرتين، فلا يعفيه من المسؤولية. ثمة خيار كان بديهياً طيلة السنوات الماضية، لكن أحداً لم يلجأ إليه. استجرار الطاقة من سوريا كان يتم بشكل تلقائي، حتى في فترات استقرار الإنتاج. توقف أيام الحكومة الماضية، بعدما تأخرت وزارة المالية عن الدفع لأكثر من ستة أشهر، قبل أن تعاود تقسيط المستحقات. تقول مصادر مطّلعة إن هنالك إمكانية لاستجرار 360 ميغاواط في الحد الأقصى. الكمّية المعتدلة التي لا تضغط على الشبكة هي 260 ميغاواط. وتلك كمية قادرة على تعويض نسبة كبيرة من النقص في الإنتاج، إلى حين وصول بواخر الفيول.
لماذا لم تطلب وزارة الطاقة أو مؤسسة كهرباء لبنان من سوريا معاودة الاستجرار؟ المعلومات، التي لم تعد سراً، تؤكد أن السفيرة الأميركية دوروثي شيا كانت قد حذرت الحكومة، منذ أكثر من شهر، من التعاقد مع الحكومة السورية، إذ إن صدور قانون قيصر، في وقت لاحق، سيمنعها من الدفع.
نفّذ اللبنانيون الفرمان، ولم يعمدوا حتى إلى الاعتراض أو المطالبة باستثناءٍ، أسوة، على سبيل المثال، بالاستثناء الذي يحصل عليه العراق في تعاملاته مع إيران. لبنان الذي لا يملك حدوداً إلا مع سوريا، لم يعترض على منعه من التنفس من رئته الوحيدة بعد احتلال فلسطين، بالرغم من أن مآسيه صارت أكبر من أن تحصى. مصادر مطّلعة تنفي التسليم بالأمر. تتحدث عن تنسيق مع السفير السوري لتفعيل الاتفاقية. المشكلة أن مدة الاتفاقية انتهت منذ سنتين، وبالتالي فإن المطلوب تجديدها، قبل معاودة الاستجرار. ماذا عن قانون قيصر؟ تجزم المصادر بأن تسديد ثمن الكهرباء لسوريا سيتم بالليرة اللبنانية. وفي الأصل، لبنان لم يعد قادراً على مراعاة أحد. مصلحته تقتضي اللجوء إلى أي خيار ينقذ مواطنيه.
صبّ خطاب رئيس الحكومة حسان دياب، في مجلس الوزراء، أمس، في السياق نفسه. كان واضحاً أن رئيس الحكومة قرر التحرر من كل العقبات التي كانت تواجهه، فاتحاً مرحلة جديدة من “المواجهة”. تحدّث عن الانهيار الذي تقف خلفه جهات محلية وخارجية. وتحدّث عن أدوات خارجية لا يهمّها إلا دفتر حسابات المصالح الشخصية المغلّفة بحسابات سياسية وطائفية.
كرر دياب اتهام (هم) بلعب لعبة رفع سعر الدولار الأميركي، والمضاربة على الليرة اللبنانية، ومحاولة تعطيل إجراءات الحكومة لمعالجة ارتفاع سعر الدولار، وتعطيل فتح الاعتمادات للفيول والمازوت والدواء والطحين، ليقطعوا الكهرباء عن اللبنانيين ويجوّعوهم ويتركوهم يموتون من دون أدوية. وفوق ذلك، يتحدثون عن حرصهم على لبنان ومساعدة الشعب اللبناني”.