وبدا واضحاً أن حكومة الرئيس حسان دياب قد استشعرت بقوة خطورة تصاعدية تتهدّدها بعدما ثبت أن معظم مؤشرات الدفع نحو تغييرها جاءت من “أهل البيت” الحكومي وليس من المعارضين. ولذا بدأت الحكومة هجوماً معاكساً، سواء كلامياً من خلال “الخطب” المعدة سلفاً لرئيسها والمتضمنة خطاً بيانياً من الحملات النمطية على المعارضين، أم من خلال تكثيف الاجتماعات الماراتونية في السرايا وتنويع محاورها كما حصل أمس في عقد اجتماع ذي طابع أمني، تلاه اجتماع مالي. وتقول الأوساط المعنية بالواقع الحكومي أن أحداً لا يتملكه وهم إسقاط الحكومة في اللحظة الحالية، قبل توافر البديل المضمون من الحكومة الحالية ولكن رحلة هذه الحكومة وصلت الى المرحلة الأشد صعوبة وخطورة لأنها ستكابد بعناء شديد العجز عن تبريد الاحتدامات المتصاعدة في الشارع، فيما تدور المعالجات للأزمات الخانقة الحياتية والخدماتية والمالية في دائرة مقفلة، بحسب “النهار”.
شهية باسيل مفتوحة للعودة
في الغضون، وبينما الناس يتآكلها الجوع والبلد يغرق أكثر فأكثر في رمال الأزمة المتحركة، توقفت مصادر سياسية رفيعة عند تغريدة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أمس، وبدا فيها مستعجلاً العودة إلى المقاعد الوزارية على متن “الشروط” التي تحدث عنها الرئيس سعد الحريري لقبوله ترؤس الحكومة، وقالت المصادر: “شروط الحريري أعادت فتح شهية باسيل الوزارية فعاجله بشروط مضادة تستعيد نغمة التسويات والتفاهمات على قاعدة “إجري على إجرك” إلى السراي”، لافتةً إلى أنّ “حكومة حسان دياب باتت عملياً بحكم حكومة تصريف الأعمال بانتظار اتضاح البديل عنها، والجميع أصبح يتصرّف على هذا الأساس، وحتى تمسك “حزب الله” بها هو تحت عنوان شراء الوقت لا أكثر بانتظار تبلور ظروف المواجهة الإقليمية ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لمعرفة المسار الذي ستتجه إليه الأمور، ومن هذا المنطلق يسعى الحزب حالياً إلى شبك خيوط الأزمة اللبنانية بمحور المواجهة الممتد من سوريا إلى العراق وإيران وصولاً إلى الصين استعداداً لهذه المواجهة لكنه في الوقت عينه يبدي انفتاحاً على أي احتمال تسووي من شأنه أن يحمي ساحته الداخلية في حال التوصل إلى صيغة حكومية تعيد التوازن إلى الاقتصاد اللبناني”.
وفي هذا الإطار، توضح المصادر أنه وإزاء “استشعار باسيل بإمكانية نضوج صيغة حكومية جديدة عبر ممر “بيت الوسط” سارع إلى اتخاذ خطوات مضادة لضمان إجهاض أي طرح يعيد الحريري إلى رئاسة الحكومة من دون أن يشمل إعادة توزيره شخصياً”، كاشفةً في هذا السياق عن معلومات تفيد بأنّ “لقاءً حصل بين موفد من جانب رئيس الجمهورية ميشال عون مع ممثل عن قيادة “حزب الله” تم التداول خلاله بهذا الموضوع، فكان تشديد عوني صريح خلال اللقاء على أنّ عودة الحريري لا بد وأن تكون مشروطة بعودة باسيل باعتبار أنّ أي حكومة يرأسها الأول لن تكون ذات طابع تكنوقراطي لأنّه طرف سياسي وبالتالي لا بد من مشاركة أطراف سياسية أخرى في تركيبته الحكومية”، وأردفت: “للأسف لا تزال الذهنية نفسها تحكم هذا العهد، وحتى لو قضى نصف الشعب اللبناني انتحاراً ستبقى المعادلة هي هي “كرمال عيون جبران عمرها ما تكون حكومة”.
في الموازاة، قالت المصادر لـ”اللواء” ان مواقف الحريري هذه كان لها وقع سيء لدى باسيل ورئاسة الجمهورية عموما باعتبارها قطعت الطريق على أي محاولة لفتح قناة اتصال او الحصول على موافقة مباشرة او غير مباشرة من الحريري، لاختيار اي شخصية لرئاسة الحكومة تتغطى مواربة بالرئيس الحريري، من قريب او بعيد، في حين ان تكرار انتقادات الحريري الى باسيل اعادت التأكيد مجدداً بمسؤولية الاخير عن تعطيل مسار الدولة واجهاض مسيرة العهد ورفض كل محاولات الاصلاح وإثارة الاستفزازات مع كل الاطراف السياسيين في الحكومتين السابقتين.
دياب الى الشرق
في غضون ذلك وغداة هجومه على السفارتين الأميركية والسعودية من غير أن يسمّيهما، وبعد استقباله سفير الصين، تابع رئيس الوزراء حسن دياب مناوراته حيال ما سمّي خيار الاتجاه نحو الشرق الذي أطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. والتقى دياب في السرايا، وفداً وزارياً عراقياً ضمّ وزراء الزراعة والتربية والطاقة والصناعة، وجرى البحث في التبادل بين البلدين باستيراد لبنان النفط العراقي مقابل استيراد العراق المنتجات اللبنانية الصناعية والزراعية وغيرها. وقد استكمل البحث بلقاءات ثنائية مع الوزراء المعنيين كل بحسب اختصاصه. وأعلن الوفد العراقي من السرايا أنه ناقش مع الجانب الحكومي موضوع الطاقة “خصوصاً أن العراق من البلدان المصدّرة للنفط، كما ناقشنا كيفية الإستفادة من تجربة لبنان في الحدّ من وباء كورونا وإمكانية التعاون المشترك بين البلدين، خصوصاً أنّ العراق يعيش حالياً وضعاً صعباً”.
بحسب مصادر الاجتماع، البحث في ملف النفط والمواد الزراعية. وقالت المصادر إن من أبرز النقاط التي تحدث عنها الوفد العراقي هو “التحضير لمشروع قانون يعفي لبنان من دفع رسوم جمركية على المواد الزراعية والصناعية والغذائية التي يُمكن أن يستوردها العراق من لبنان”. كما تحدث الوفد عن “مشاريع قوانين للتحفيز على الاستثمار الزراعي والصناعي داخل العراق، بحيث يُمنح للمواطنين اللبنانيين الراغبين في الاستثمار تحفيزات مثل تقديم أراضٍ بمساحات كبيرة لإقامة مزارع للدواجن والأبقار أو مصانع إنتاج من دون دفع ضرائب”. أما في موضوع النفط، فحكي عن “أنواع المشتقات التي يُمكن للعراق أن يرسلها الى لبنان، ومنها الفيول، وإمكانية تخفيض الأسعار إلى النصف أو تأجيل مدة الدفع أقله الى ما بعد عام، بالإضافة الى أفكار أخرى سيكشف عنها تباعاً”.
وبعد لقاء رئيس الحكومة، زار الوفد العراقي رئيس مجلس النواب نبيه بري، بحضور الوزيرين حب الله وعباس مرتضى وعضو هيئة الرئاسة في “حركة أمل” قبلان قبلان. ووصفت مصادر مطلعة أجواء اللقاءات بأنها “ايجابية جدّاً وأن الوفد العراقي أبدى استعداداً كبيراً للتعاون، وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن تنفيذها وتساعد في تخفيف الضغط عن لبنان، لكنها تحتاج إلى آليات لترجمتها وقد تأخذ وقتاً”. واعتبرت المصادر أن “المهم هو أن تكون الحكومة جدية في انفتاحها وأن لا يُصار إلى عرقلة هذه الاندفاعة من داخلها، وهنا سيكون الاختبار الحقيقي”، معتبرة أن “الأهم أيضاً هو القبول أيضاً بالعون الذي تقدّمه إيران”.
وحتى طاقة الأمل الوحيدة سدت منافذها حكومة حسان دياب في وجه صندوق النقد الدولي على وقع تمرسها في لعبة تضييع الوقت واستنزاف الأرقام ضمن إطار سياسة ممنهجة لـ”تطفيش” الصندوق وأسفرت حتى الساعة عن تعليق الاجتماعات المشتركة حتى “تنتهي عروض السيرك” التي يقودها “الوفد الحكومي الضائع” بحسب تعبير أحد المعنيين بهذه المفاوضات، مؤكداً لـ”نداء الوطن” أن “الاجتماعات متوقفة لكنّ التواصل لا يزال مستمراً مع المعنيين في صندوق النقد فقط لوضعهم في صورة التطورات الجارية”.
وإذ لفت إلى أنّ “مبدأ الحوار للحوار لم يعد ينطلي على أحد لا في لبنان ولا خارجه”، أكد المصدر المعني أنّ “صندوق النقد الدولي لا يمكن أن يقبل بالمشاركة في مهزلة استنزاف الوقت ولذلك بادر إلى وضع حد لها عبر قرار تعليق الاجتماعات مع الحكومة اللبنانية بانتظار توصلها إلى صيغة موحدة من المقاربات والأرقام يتم النقاش حولها، غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ الأيام تمرّ والأزمة تتفاقم اقتصادياً ومالياً واجتماعياً من دون تسجيل أي تطورات لا على صعيد البدء بالإصلاحات المطلوبة ولا على مستوى الأرقام، تحت وطأة إعادة الحكومة الأمور إلى مربع أرقامها الأول ومحاولة نسفها ما تم التوصل إليه من أرقام توافقية على طاولة لجنة المال والموازنة، فضلاً عن انفراط عقد الوفد المفاوض بعد توالي مسلسل الاستقالات في صفوف أعضائه من المستشارين”، وختم المصدر بالقول: “الأرجح أنّ الأمور ذاهبة نحو إفشال المفاوضات مع صندوق النقد بتواطؤ صريح بين من لا يريد فتح الدفاتر القديمة ويرفض فكرة التدقيق الجنائي بالحسابات وبين من يرفض الإصلاح ولا يزال متمسكاً بمنظومة الهدر والتهريب سواءً في الكهرباء أو في المعابر والجمارك”.
على صعيد آخر، سجّل سعر الدولار في السوق السوداء أمس انخفاضاً طفيفاً، بعد أسابيع من الارتفاع المتواصل. ولم تتّضح أسباب التراجع المفاجئ. وبحسب مصادر معنية، ثمة ثلاثة تفسيرات لما جرى:
1- إما أن السوق تصحّح نفسها بنفسها، لأن الارتفاع في السعر مبالغ به بصورة كبيرة. وهذا «التصحيح» يعني إمكان أن يتبعه ارتفاع مجدداً.
2- أن يكون الصرافون قد اعتبروا إعلان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة عن بدء تأمين دولارات الاستيراد عبر المصارف خطوة في إطار إجراءات لخفض سعر الدولار في السوق السوداء، فقرروا خفض السعر خشية خسارة ما لديهم مستقبلاً.
3- أن يكون خفض السعر في إطار المضاربة، ولتشجيع من يملك الدولارات على بيعها، من أجل إعادة رفع السعر في الأيام المقبلة وتحقيق أرباح إضافية.