بلد محاصر
الصين وروسيا ليستا في محور الممانعة. فاهتماماتهما وعلاقاتهما بأميركا وإسرائيل أوثق بكثير مما يمكن لها أن تكون بلبنان أو سوريا أو إيران. وفي احتفال تنصيب الحكومة الإسرائيلية الذي ضمّ بنيامين نتنياهو وبني غانتس، وحضره وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، انصب الاهتمام الأميركي على وقف أو تعطيل الاتفاقات الإسرائيلية – الصينية.
وإسرائيل المعروفة حظوتها لدى الولايات المتحدة الأميركية، لا تسمح لها واشنطن بالشروع في توقيع اتفاقيات ومعاهدات بالحجم الذي كان مقرراً مع الصين. ولبنان لن يكون قادراً حتماً على الارتماء في الحضن الصيني. وحتى ولو أراد لبنان بكليّته ذلك، فالصين هي التي لا تريد، طالما يخضع لبنان لضغوط وعقوبات دولية.
عُظام اللبنانيين وثاراتهم
في كل محطة خلافية، يتجدد سجال اللبنانيين معتبرين بلدهم محور الكون، وبؤرة أساسية في صراع الأقطاب والمحاور بين شرق وغرب، ولا ينعكس إلا فيه وعليه. كأن هذا البلد الصغير محور الصراع الدولي والكوني، على ما يروح ينجّم سياسيوه ومسؤولوه ويُبَصِّرون.
إنهم يقرأون في كتب قديمة، متناسين أن الزمن تجاوزها، ولم تكن إلا من نسج طموحات قدامى الزعماء السياسيين المسيحيين، عندما كانت ظروف الصراع الدولي أيام الحرب الباردة تسمح بتلك التصورات والطموحات.
وفي سياق سجالاتهم الانقسامية اليوم، لا يزال اللبنانيون قابعين في الماضي. كأنما الزمن والتطوّر عبرا بهم وهم نيام. وقد يكون للاستثمار، أو للبروباغندا الشعبوية السياسية، التي لا يجيدون سواها سبيلاً إلى السياسة القائمة على الثارات والنكاية والتحريض في ما بينهم، نصيب وافر من سجالاتهم الغوغائية.
وفي هذا الإطار تندرج سجالاتهم حول أهمية الذهاب شرقاً لمواجهة العقوبات الأميركية والالتفاف عليها
بروباغندا الممانعة وخصومها
ليست تصورات حزب الله عن اللجوء إلى الصين، وفتح أبواب الاستثمارات الصينية في لبنان، إلا من طينة سياسات البروباغندا تلك التي تبدو الصين فيها كأنها طوع بنان سياسات محور الممانعة وتصوراته الزهرية. وكأنما الاستثمارات الصينية تتوافر لها كل الظروف الملائمة، بل قد أنجزت واكتملت.
عرف حزب الله كيف يتلقف الكلام عن المشاريع الصينية، فنجح في تصوير الصين وكأنها حليفته وحليفة المحور الذي ينتمي إليه.
وهذا ليس سوى من أساليبه المجرّبة والمعهودة، لإثارة خصومه، ليضعوا أنفسهم على طرف نقيض منه، نسجاً على منوال الخصومات السياسية اللبنانية السائرة.
وخصوم حزب الله استجابوا بدورهم وكعادتهم إلى هذا الشرك، فصدقوا أن الصين وروسيا إلى جانب حزب الله، وفي مواجهتهم، ثم أشاعوا انطباعاً خاطئاً بذلك.
وبهذا تناسى الجميع أن لدى الصين وروسيا قناعة راسخة أبلغتاها للقوى اللبنانية كلها: المدخل إلى معالجة أزمة لبنان الخانقة هو صندوق النقد الدولي، ولا بديل عنه.
أجوبة السفير الصيني
وهذا يعني أن الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة القرار الأول والأخير في الأزمة اللبنانية. ثم أن بكين وموسكو تعدان لبنان بلداً مفلساً وغير قابل لمشاريع الاستثمار، في ظل انسداد أفقه السياسي والانهيار الاقتصادي فيه، والضغوط الدولية عليه، والتي تكاد تخرجه من عباءة المنظومة الدولية.
والكلام عن قروض صينية للبنان غير صحيح قط، حسبما تشير مصادر متابعة
ففي اللقاء الذي عقده رئيس الحكومة وعدد من الوزراء مع السفير الصيني، سئل السفير ما إذا كانت الصين جاهزة لتقديم مساعدات، فكان جوابه جاهزاً: الصين جاهزة للاستثمار في مشاريع لبنانية، شريطة توافر قواعد ملائمة للاستثمارات، أي الاستقرار الداخلي والتوافق الدولي. على أن تكون المشاريع الاستثمارية وفق آليات BOT أو مشاريع سيادية الطابع، أو اتفاقات من دولة إلى دولة. وبمعنى أوضح: ألا تكون هذه المشاريع مناطة بشركات أو مؤسسات أو رجال أعمال.
وتركزت إحدى إجابات السفير الصيني على وجوب الاهتمام بتفعيل حركة السياح الصينيين إلى لبنان. والسياحة تحتاج بديهياً إلى الاستقرار وبنية تحتية للنقل والخدمات السياحية، وهما غير متوفرين في لبنان، والذي كان متوافراً منهما، خرب أو أُقفل، أو مشرف على الخراب والإقفال.
وأهم ما في الموقف الصيني، هو أن الصين لا يمكن أن تكون محسوبة على أي محور. فهي لا تريد انتزاع نفوذ من أحد، ولبنان يجب أن يكون جسر عبور بين الدول. والصين لا يمكنها أن تكون صاحبة مشاريع في لبنان، إذا كان معزولاً عن العرب وعن الغرب. وبافتقاده هذه العلاقات يكون لبنان تفصيلاً بسيطاً لا أحد يوليه الاهتمام.