الصين تفتش عن مصالحها… ليست جمعية خيرية!

6 يوليو 2020

ليس غلطًا أن ينفتح لبنان على الشرق، كما كان على تفاعل تام مع الغرب، ثقافًة وتجارًة وإقتصادًا وعلاقاتٍ ثنائية ممتازة. لكن الغلط أن ينفتح على الشرق وينسى الغرب، وهذا ما يتناقض مع طبيعة اللبناني المعروف عنه تعاطيه مع الجميع، إنطلاقًا مما تحتمه عليه العلاقات الممتازة مع الجميع. فإذا كان على علاقة جيدة مع الغرب فهذا لا يعني معاداة الشرق، والعكس صحيح أيضًا، بكل ما لكل هذا من مفاعيل وتأثيرات على وضعيته الداخلية القائمة أيضًا على التوازنات، والتي لا تحتمل أي تأويلات أو تفسيرات خاطئة قد يكون لها مفاعيل عكسية في الواقع السياسي، خصوصًا إذا أصرّ فريق من اللبنانيين على الذهاب إلى الشرق ومعاداة الغرب.


وقد يكون الإختلاف على التوجهات والأولويات في غير محله، خصوصًا إذا ما أخذنا في الإعتبار أن الصين مثلًا لم تقرّر بعد إذا ما كانت على إستعداد للإستثمار في لبنان وفق ما يتمناه بعض اللبنانيين، إذ أن المسؤولين الصينيين لم يقرروا بعد إذا ما كانوا في مرحلة تسمح لهم بالسير عكس التيار الأميركي، وبالأخص في الميادين التي كانت ولا تزال فيها على علاقة جيدة مع واشنطن.

ووفق ما فُهم من السفير الصيني، الذي كان له أكثر من لقاء مع المسؤولين اللبنانيين، وهو كان حريصًا على السير بحذر وسط سيل من الاسئلة، فإن بكين لم تقرر بعد إذا ما كان لها مصلحة في الإستثمار في لبنان، الذي لا تزال تعتبره غير مستقر إجتماعيًا وإقتصاديًا، وهو لا يشكّل أولوية إستثمارية بالنسبة إلى رجال الأعمال الصينيين أو الشركات الصينية، الذين يدرسون جيدًا وضعية البلد الذي يريدون الإستثمار فيه، حتى أن بعضًا من هؤلاء يؤكدون أن الإستثمار في لبنان في هذه الأوضاع الضبابية مغامرة لا يمكن السير بها قبل التأكد من جملة معطيات.

فكما أن صندوق النقد الدولي، ومعه الدول الغربية، لا يزالون يشترطون إقدام الحكومة اللبنانية بإصلاحات مالية وإقتصادية وإدارية كشرط لا بدّ منه من أجل الإفراج عن المساعدات الممكنة، التي يمكن أن يستفيد منها لبنان، كذلك تفعل الصين، التي تعتبر أن الإصلاحات الضرورية والسريعة هي الشرط الأساسي لإقدامها على الإستثمار في بلد لا يزال يتربع على فوهة بركان من غير المعروف متى ينشط.

فالصين تفتش أولًا عن مصالحها، وهي تقول إنها ليست جمعية خيرية على إستعداد للإقدام على أي خطوة ناقصة، وهي في غير الوارد أن تقحم نفسها في مشاريع لا تعود بالنفع عليها، وهي تسير بخطى ثابتة في أي مشروع قد تقدم عليه، ليس في لبنان فحسب، بل في كل الدول التي تستثمر فيها، وهي تفتش دائمًا عن أسواق مستقرّة وثابتة من النواحي الإقتصادية والأمنية والتشريعية.

وفي إعتقاد الصينيين أن وقت الإستثمار في لبنان لم يحن بعد، وهذا يتطلب سلسلة من الإجراءات التشريعية، التي لا تزال غير واضحة المعالم في ظل الإنقسام العمودي، الذي تشهده الساحة اللبنانية.