خفايا التهدئة
منطقياً، لا يمكن الحديث عن انقلاب المواقف والتوجهات من عدم. لا بد أن يكون أمر ما قد طرأ ودفع إلى هذه التهدئة، فتجمّد نسبياً التصعيد الذي تفاقم في الأسبوعين الماضيين، سياسياً واقتصادياً ومالياً. وما بين التصعيد والتهدئة، جاءت زيارة السفيرة الأميركية إلى الرئيسين نبيه برّي وحسان دياب. وركزت اللقاءات على البحث عن استثناءات يحصل عليها لبنان، لتجنّب تداعيات قانون قيصر وعقوباته. لكن بالتأكيد هناك أموراً أخرى لم تتسرب بعد، وربما هي التي فرضت بعض التهدئة في انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات حولها.
اليونيفيل هي المدخل
أصبح معروفاً أن الضغوط الأميركية تتركز على التفاوض حول نقاط محددة، من دون أي اعتبار لماهية السلطة القائمة، ومن دون اعتراض على القوى التي تحكم السيطرة على لبنان بحكم القوة أو الأمر الواقع. لكن ما يهتم به الأميركيون هو تحقيق الأهداف التي يريدونها، بمعزل عن الجهة القادرة على تحقيقها. والنقاط المعروفة التي لا بد من إعادة التذكير فيها، تتعلق بصواريخ حزب الله الدقيقة، وترسيم الحدود، وضبط المعابر غير الشرعية.
بوابة هذه المسائل يفترض أن تكون التمديد لقوات اليونيفيل العاملة في الجنوب، فيما تتحدث المعطيات عن ضغوط أميركية في سبيل توسيع صلاحيات هذه القوات. وهذا ليس من توافق عليه في مجلس الأمن، ويلقى معارضة واسعة في الداخل اللبناني. لكن الأميركيين يصرّون على تكثيف ضغوطهم في هذا المجال. وكان تلويحهم بخفض ميزانية القوات الدولية أو تغيير آلية صرفها، كي لا تستفيد منها البيئة الموالية لحزب الله.
وعمل قوات الطوارئ الدولية سيكون حاضراً بقوة في زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على مسافة أيام من موعد تمديد مهلة عملها.
وتلفت بعض المعطيات إلى أن هذا الملف يبحث في الكواليس السياسية. وتشير معلومات إلى نية دولية لتعزيز قدرات اليونيفيل وتقنياتها، بمعزل عن عدم القدرة على توسيع صلاحياتها ونطاق عملها. على أن تُزوّد بمعدات تقنية متطورة توفر لها القدرة على تشديد المراقبة. وبعض هذه المعدات ستُخصص لرصد أماكن وجود أسلحة حزب الله أو كشف حركيتها.
طبعاً سيمثل هذا الإجراء ضغطاً على حزب الله، ولن يحظى بموافقته. لكن البحث عن حلول له والوصول إلى صيغة مشتركة أو تسوية، قد يسهم في تهدئة الأجواء، ويشكل فاتحة لمفاوضات أوسع وأشمل، في ظل الإصرار الأميركي على البدء بمفاوضات ترسيم الحدود.
ضغوط جديدة
هذا كله لا يعني أن جولة الضغوط قد توقفت. بل البدء بمرحلة انتقالية، في انتظار مزيد من التطورات. لكن ضغوطاً من نوع آخر بدأت تطل برأسها: أولها الحاجة إلى تعديل الاتفاقيات بين الدولة اللبنانية ودول أخرى أو شركات دولية، كانت الحكومة اللبنانية تعمل على استيراد المواد الأساسية منها، وخصوصاً الفيول والمحروقات.
وحسب المعطيات فإن الدولة اللبنانية لم تعد قادرة على أن تستورد باسمها، لأنها تخلفت عن سداد ديونها بسندات اليورو بوند. لذا هي تحتاج لنقل اتفاقيات الاستيراد إلى شركات أخرى. وإذا ما استمر التصعيد السياسي الذي يستدعي المزيد من الضغوط، فإن أي شحنة تستوردها الدولة اللبنانية ستكون قابلة للمصادرة في المياه الدولية. وهذا ضمن العقوبات والإجراءات القانونية التي لا يمكن تجاوزها. وهذا سبب امتناع المصارف عن المراسلة وفتح اعتمادات لاستيراد الفيول والمحروقات، بحجة تهريبها إلى سوريا.