المؤامرة التي يتخيل دياب أنه يتعرّض لها حاضرة دوماً في خلفية رأسه، غافلاً عن الهشاشة واللا معنى اللذين يلازمان حضوره.
ولا يعلن هوية الجهات المتآمرة عليه، ولا يتخذ إجراء لوضع حدّ لها أو فضح أعمالها
وهو مقيم على معزوفة مظلوميته ويقين استضعافه، فيتحول رئيس السلطة التنفيذية إلى أضعف من رئيس أصغر حزب مثلاً. ستة أشهر من محاربة طواحين الهواء، وفتح جبهات متنوعة أصيبت كلها بنكسات. كان يفترض به أن يتعلّم منها، لكنّه لم يتغيّر قطّ.
عبادة منصبه فقط
يستهوي دياب ادعاء الاستضعاف، ودور من يتوهم أنه يقف في عين المؤامرة. وهو يستخدم هذا الدور لتبرير كل الاخفاقات، وعدم المقدرة على تقديم أي حلّ أو خيار بديل للانهيار.
هو لا يريد شيئاً سوى البقاء في موقعه، غير مبال بما ترتبه هذه الحال على البلاد، فيما هو ينام ملئ جفونه عن شواردها.
يروح يفتعل نشاطاً سياسياً، فقط عندما يستشعر خطراً يتهدد حكومته، فيركض في الاتجاهات كلها بغية المحافظة عليها. وعندما يطرح عليه أحدهم سؤالاً عن احتمال استقالته يسارع إلى الإجابة: “أنا باق هنا ولن أستقيل”.
ليست اجتماعاته الكثيفة هي التي تفرض بقاءه، ولا الخطط التي يعمل على تقديمها أو مناقشتها
مطيع حزب الله
ما يبقي حسّان دياب في السرايا الحكومية، هو أنه أحد أفضل النماذج التي يحتاجها حزب الله. لا أحد قادر مثله على الامحاء أمام ما يريده منه الحزب من دون أن يفصح عنه.
حتى رئيس الجمهورية ميشال عون تبدل موقفه من حسان دياب، فلم يعد كما كان في بداية تشكيل الحكومة. حزب الله فقط يتمسك بحسان دياب لجملة أسباب.
السبب الأول، هو أن الحزب لا يريد أي حكومة ترضى التناغم مع قانون قيصر. وكان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله واضحاً في ضرورة البحث عن ثغرات للالتفاف على القانون.
حسّان دياب أكثر المناسبين لذلك. والحزب قادر من خلال حكومته على فعل ما يشاء. السبب الثاني، أن دياب مطواعاً بين يدي الحزب في ما يخص العلاقة مع سوريا وإيران والتوجه شرقاً.
فهو لا يمانع الدخول في مواجهة مع خصوم الحزب كلهم، في الداخل والخارج
السبب الثالث، تعمّد حزب الله عدم التوصل إلى أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي. فموافقته على الدخول في مفاوضات كانت لشراء الوقت. هذا ما بيّنه فشل المفاوضات التي تحوّلت إلى مضيعة للوقت.
فحزب الله يرسي سياسته على اعتباره أن المجتمع الدولي لن يترك لبنان ينهار، بل هو مثله يلعب على حافة الهاوية، وفي ما بعد ستتدفق المساعدات. ومن سوى حسان دياب يقبل أن يغطي مثل هذه الممارسات، بصفته رئيس الحكومة؟!
السبب الرابع، استمرار الضغوط الدولية والأميركية في المجالات المختلفة: العقوبات، نطاق عمل قوات الطوارئ الدولية، وضبط الحدود والمعابر. لذا لا يريد حزب الله أي حكومة “تقلقه في هذا المجال”.
السبب الخامس، هو اقتراب موعد حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي يتعاطى معها الحزب على خطين: إبقاء علاقته السياسية بكل القوى هادئة وجيدة نسبياً، وخصوصاً تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري.
والتمسك بحكومة يمسك بها إمساكاً كاملاً، ولن يخرج منها وزير واحد مطالباً بالتصرف الجدّي مع حكم المحكمة، أو يتحمّس للالتزام بمندرجات الحكم وتداعياته.
ساكن السرايا
كل هذه الأسباب تخدم بقاء حسان دياب في السرايا الحكومية، إلى أن تحين لحظة انتفاء الحاجة إليه. ولكن حينذاك ستكون أمور كثيرة قد تغيّرت، وانهيارات كبيرة تحققت. في هذا الوقت تستمر السجالات اللبنانية العقيمة، وتسعى قوى إلى تشكيل جبهات لإعادة لبنان إلى موضعه الطبيعي بين الشرق والغرب، أو للمطالبة بالنأي بالنفس، أو إعلان الحياد، على غرار ما أعلن البطريرك الماروني بشارة الراعي.
استاء حزب الله من موقف الراعي.
وحصلت اتصالات عديدة مع رئيس الجمهورية في محاولة لتخفيف لهجة بكركي، وسعياً لتغيير موقف البطريرك، فكان لقاء بعبدا بين الراعي وعون الأربعاء 15 تموز، لتبقى دعوة البطريرك مجرّد دعوة بلا أي مفاعيل تطبيقية أو عملانية.