لم يظهر نظام الأسد أي بادرة حسن نيّة، تؤكد رغبته في عودة اللاجئين السوريين الذين هجّرهم على مدى السنوات الماضية.
مراوغة دائمة
ففيما يتهافت أصدقاء هذا النظام في الحكومة اللبنانية الحالية، على إقرار الخطة الحكومية لعودة النازحين – معتبرة أنه نصرها المبين على حكومات سابقة، إتهمها جبران باسيل “بعرقلة العودة وعدم إدراجها حتى على جدول الأعمال” – فإن تصرف نظام الأسد مع العودة الطوعية للاجئين، بعد فتح الحدود البرية مع لبنان، لا يؤشر إلى أي تعاون يرغبه ذاك النظام مع حلفائه في لبنان، إلا إذا كان التعاون منصاعاً لأجندته الخاصة.
لنعد قليلا الى الوراء. فقبل أزمة كورونا واستفحالها، انطلقت من لبنان إلى سوريا رحلات عدة لعودة نازحين، إبان ما سُمي “المصالحات”. وأبدى الطرف اللبناني متمثلا بالأمن العام (عباس ابراهيم)، كل تعاون لجهة التساهل مع العائدين، فأعفاهم من غرامات الإقامة غير الشرعية.
وفي المقابل اشترط الجانب السوري أن تكون العودة عبر لجان شكلها. بقيت مواعيد العودة وأعداد العائدين مرهونة بقرار النظام السوري
لم تأت هذه الرحلات، حتى التي نظمها حزب الله مباشرة، على حجم طلبات العودة التي قدمها اللاجئون. ففي أكثر من قرية لبنانية، يتحدث لاجئون عن إنتظار طويل عاشوه، حتى قبل استفحال الأزمة الاقتصادية في لبنان، وهم لم يعودوا إلى بلادهم حتى الآن.
قسوة والاغتصاب
وعندما تضاعفت الضغوط الاقتصادية على اللبنانيين، فقد النازح السوري في لبنان الكثير من مقومات صموده، وحتى إمكان العيش مع عائلته.
لذا قرر كثيرون العودة ألى بلادهم، وبينهم مطلوبون للتجنيد الإجباري أو الاحتياط في الجيش.
وأصبحت العودة ملحة أكثر مع بدء أزمة كورونا وما تسببت به من ركود كلي في الاقتصاد اللبناني. وبينما كان الراغبون بالعودة يراقبون أعداد الطائرات التي نظمت عودة اللبنانيين من بلدان العالم إلى بيروت، رفضت سلطات الأسد التعاون مع السلطات اللبنانية لفتح المعابر البرية للسوريين وحاولوا الاندفاع إلى طرق التهريب الوعرة.
لكن طرق التهريب لم تكن ميسرة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. بل عجت المنطقة الحدودية الفاصلة بمئات منهم باتوا لياليهم في العراء وتحت نظر الفرقة العاشرة السورية قرب معبر جديدة يابوس. وبعضهم عانى الجوع والعطش أياماً، قبل أن يُسمح لهم بدخول بلدهم الذي اغتصبه نظام القتل والسوة وشردهم منه.
مئة دولار خوّة العودة
أمس الأول 15 تموز فتحت السلطات السورية معبرها أمام السوريين حصراً. ولكن فتحها أقترن بشرط إلزامي: خضوع كل راغب بالعودة لفحص PCR يجري في الأراضي اللبنانية، ولا يسمح بأن تتجاوز مدته 18 ساعة، وإلا يعاد صاحب الفحص إلى الأراضي اللبنانية حتى لو تجاوز 18 ساعة بساعة واحدة.
أبعد من الإرباك الذي تسبب به تدبير السلطات السورية في مستشفيات لبنان الحكومية، إذ عمت حال الفوضى صباح الجمعة 17 تموز في مستشفى الياس الهراوي الحكومي بزحلة، جراء تهافت السوريين على الفحص.
وحدثت فوضى مماثلة في مستشفى رفيق الحريري ببيروت
وهكذا أظهر قرار النظام السوري مجدداً أنه يريد عرقلة عودة السورين وضمان مكتسباته، قبل أي بحث في ملف عودة النازحين من الأراضي اللبنانية.
لم تراع السلطات السورية مبدأ المعاملة بالمثل في الشؤون الحدودية.
فهي أصرت على أن يجري السوريون الفحوص في مستشفيات لبنان، ورمت في المقابل مسؤولية اللبنانيين الراغبين بالعودة من سوريا على الدولة اللبنانية، ليخضع هؤلاء لفحص PCR في مركز الأمن العام اللبناني.
وحين نعلم أن السلطات السورية قررت تطبيق قرارها بدءاً من الشهر المقبل، سيلزم كل مواطن سوري عائد إلى بلاده صرف مبلغ مئة دولار على سعر الصرف الرسمي لديها، نعلم لماذا يتزاحم السوريون على الاستفادة من فترة الإعفاء من هذه “الخوة”، قبل البدء بتطبيقها.
فليدفعها كارهو اللاجئين
ولا يملك نازحون كثيرون من الذين وضعت الحكومة اللبنانية “خطة عودتهم”، قيمة المئة دولار التي عليهم شراءها من سوق لبنان السوداء، ليدفعوها خوّة موصوفة لنظامهم.
وعليه فإن هذا التدبير الأحادي، والذي لا يميز بين نازح ومغترب أو سائح، يشكل واحداً من أبرز العراقيل الابتزازية التي تمنع النازحين حتى من التفكير في العودة إلى بلادهم.
وهنا لا بد من السؤال، لماذا لا يبادر أصدقاء سوريا في لبنان
– والكارهين لللاجئين السوريين والراغبين بدفعهم ليكونوا ضحايا مضاعفين لحليفهم
– إلى منح الدولارات للراغبين في العودة، بعدما استبسلوا مع نظام الأسد في قتلهم وتشريدهم، وعليهم أن يستبسلوا اليوم في تسليمهم للنظام الذي هجرّهم.
تأتي عراقيل السلطات السورية هذه فيما يتباهى باسيل بإقرار حكومة العهد خطة العودة، منوها بجرأتها. لكن لا يبدو أن هذه الجرأة تضمن عودة النازحين الذين يكرههم إلى بلادهم.
فالنظام السوري لا يكتفي بأن يكون العائق الأول في وجه هذه العودة، بل يمعن في ابتزاز من يصر عليها
وانطلاقا من هذه القاعدة ليس مستبعدا أن يطال ابتزاز الأسد “حكومة عهده الصديق”. وذلك بتوريطها في معركته ضد عقوبات “قيصر”.
ألم يكن وزير خارجية الأسد، وليد المعلم، واضحا عندما قال:”جاهزون للتعاون مع لبنان في مواجهة قانون قيصر، لكن هذا يحتاج إلى رغبة سورية لبنانية مشتركة”؟.