باسيل يُغرق “الحياد” في متاهات “المنظومة”

باسيل متحدثًا بعد لقائه البطريرك الراعي في الديمان أمس

20 يوليو 2020

رمادياً ملتبساً جاء موقف رئيس “التيار الوطني” النائب جبران باسيل بعد زيارته البطريرك الماروني بشارة الراعي في الديمان على رأس وفد من “التيار”. فإزاء الوضوح التام والموقف الصارم كحدّ السيف لسيّد بكركي، الذي اعتبر انّ “الحياد يحمي لبنان من الضياع في لعبة الأمم ومن أخطار العبث بهويته وهو الترجمة السياسية والدستورية للاعتراف بنهائية لبنان ولا ينطلق من الانتماء الطائفي والحزبي والمناطقي بل من الانتماء للبنان المحايد كدولة”، اختار باسيل “الفذلكة” اللغوية مستخدماً مفردتين للحالة نفسها، فهو مع “تحييد” لبنان عن المشاكل والصراعات والمحاور، فيما يصبح “الحياد” معه مجرّد مسألة “تموضعٍ استراتيجيّ”، وليس مسلّمةً أساسية يكرّسها الدستور اللبناني ودولة القانون بشكلٍ قاطع لا لبس فيه.

هكذا ربط الصهر القويّ “الحياد” بمعجزة حلّ آفاتٍ تكبّل البلد منذ زمنٍ، ومعظمها ناتج طبعاً عن ضعف الدولة، فباتت بديهيات الدولة رهنٌ بشمّاعات “الحوار الوطني” وتوافر “المظلة الدولية” و”اعتراف الدول المجاورة به”، و”سحب عناصر التفجير الاسرائيلي للأرض والارهاب وترسيم الحدود وإعادة النازحين السوريين وعودة اللاجئين الفلسطينيين”. وذكرت مصادر مطلعة على لقاء الديمان ان باسيل شرح وجهة نظره للبطريرك والتي لا تختلف بجوهرها عن موقف رئيس الجمهورية الذي ربط تحقيق الحياد بتوافق وطني شامل. ورأى، من جهة أخرى، ان يتم التركيز على مشروع “اللامركزية الادارية” وأن تتوافق الأحزاب المسيحية على هذا الموضوع تحت مظلة بكركي.

ما لم يقله باسيل بوضوح، وإن فهمناه غمزاً، عبّرت عنه بصراحةٍ فجّة مقدّمة نشرة “المنار” الاخبارية المشيدة بموقفه السياسي “الكريم” من المسألة، والتي عملت على تمييع “حياد” الصرح الماروني و”تشويه” مغزاه الفعلي بربط المسار السويّ بـ”حيادٍ” يمارسه من نعتتهم بـ”الغيارى على مصالح وطنهم” في “البحثِ عن الحقيقة ومحاسبة المتورطين بنهب اموالهم وتهريبها”، مؤازرةٌ تناغمت مع تحذير رئيس المجلسِ الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان من “تضييع بوصلة المصلحة الوطنية والأخلاقية في ما يتعلق بموقع لبنان، وكيفية إنقاذه وسط هذه الأعاصير والهجمة الدولية والإقليمية على تمزيقه، تارة بفرض حصار وعقوبات اقتصادية عليه وأخرى بتدخلات في شؤونه الداخلية وتحريض فئة على أخرى وصولاً الى الدعوة الى الفدرلة، وتحميل المقاومة وزر الأزمة الاقتصادية والمعيشية وطرح حياد لبنان كمخرج للخروج من الازمات الحالية”.

وعلمت “نداء الوطن” أن اللجنة المشتركة بين بكركي و”حزب الله”، والتي توقّف عملها منذ فترة، ستجتمع قبل مغادرة البطريرك الراعي الى الفاتيكان. وكان الراعي ردّ على تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون أثناء لقائه الأخير به بوجوب التحاور مع “الحزب” حول منطق الحياد بالتعليق: “سألتقي بهم، سألتقي بهم”.

ووسط روتين الذلّ اليومي المتمثّل بجلجلة التقنين الكهربائي القاسي، حيث غرقت مناطق شاسعة في البلاد في الظلام لـ16 ساعة متواصلة، مقروناً بارتفاع دائم للأسعار وزيادة عدد الاصابات بالـ”كورونا”، تتّجه الانظار هذا الأسبوع نحو سلسلة الاجتماعات المالية والنقدية المكثفة بين وزارة المال ومصرف لبنان والمصارف للوقوف على أرضيةٍ مشتركة للتفاهم مع صندوق النقد الدولي على خطةٍ للانقاذ تخرج البلد من عنق الزجاجة وتحميه من الانهيار الوشيك، علماً بأن الاجتماعات ستعقد اليوم وغداً وبعد غد، على أن يُعقد اجتماع مالي موسع الخميس في السراي الحكومي يحضره الاستشاريان المالي والقانوني: لازارد وغوتيب.

وتنصبّ جهود الحكومة هذا الأسبوع على حشد الدعم الكافي لخطتها وأرقامها وإقناع الأطراف البرلمانية والسياسية والمصرفية بها، كونها القاعدة “الصالحة” التي يرتكز عليها صندوق النقد للانطلاق بالمفاوضات، مع التعويل على زيارة وزير خارجية فرنسا للبنان لإعطاء دفعٍ بهذا الاتجاه.

وكان رئيس الحكومة حسان دياب شكا الى مسؤولين غربيين عدم تجاوب رئيس مجلس النواب نبيه بري معه بمسألة الخطة الحكومية، معبّراً عن استيائه من غياب الدعم اللازم له في جهوده الانقاذية. ويبدو أنّ الأوساط الغربية نقلت بدورها لرئيس الحكومة استغرابها مبالغته في تصوير ما حققه حتى الآن من أداءٍ حكومي باهت بـ”الانجازات”، فيما ليس في الحقيقة إلا سلسلة “اقتراحات ووعود معسولة” لا تجد أساساً سبيلاً الى التنفيذ ولم تترجم بواقعٍ ملموس ينتشل اللبنانيين من مصيرٍ بائس.

وعلى خطّ آخر أبلغ ديبلوماسي لبناني سابق “نداء الوطن” بارتكاب الدولة اللبنانية خطأ جسيماً بتكليفها السفير اللبناني في واشنطن غابي عيسى معالجة تداعيات “قانون قيصر” المحتملة، بدلاً من المرور عبر القنوات الديبلوماسية المعتمدة، مشيراً الى أن عيسى “غير مؤهل” لمعالجة موضوع بهذه الخطورة.

المصدر نداء الوطن