الوطن كما يُرى عن بعد

21 يوليو 2020
الوطن كما يُرى عن بعد

هل يجب أن نغادر الوطن حتى نكتشف أهميته، وهذا السرّ في العلاقة الخفية بينه وبين أبنائه، مقيمين ومغتربين، أذ عندما تكون في قلبه تسعى بكل الوسائل لهجره. وعندما تهاجره تشتاق إليه بكل جوارحك وكيانك وأحاسيسك.


هل يجب أن نغادره حتى نكتشف تلك العلاقة بيننا وبين هذا الوطن، وهي علاقة لا يمكن لأحد أن يفسرّها سوى الذي يختبرها بعمق وجدانه وكيانه.

فالوطن عن بعد هو غير الوطن عن قرب، لأن المشاكل التي يعانيها من هو في الداخل تبدو عن بعد أقلّ أهمية، بإعتبارها غير موجودة في أي بلد إغترابي، وبالأخص في كندا، التي تستقبل الوافدين إليها من اللبنانيين بيدين مفتوحتين وتقدّم إليهم ما لم يستطع أن يقدمه إليهم وطنهم الغارق في هموم غير موجودة في وطن الغربة.

فالوطن عن بعد هو غير الوطن عن قرب. فالمشاكل التي يعانيها في يومياته القريب واللصيق به غير موجودة بالنسبة إلى البعيد عنه، وهو لم يتركه عن طيبة خاطر، بل مكرهًا.

صحيح أن معاناة الذين يعايشونها يوميًا هي فوق طاقة الإحتمال، ولكنها تبقى أهون الشرّين عندما يكون أفق الحلّ مقفلًا، خصوصًا أن لا بوادر مطمئنة تلوح ولو من بعيد. فالأبواب مقفلة في وجه لبنان الساعي إلى الخروج من أزماته المعّقدة والمتشابكة والمرتبطة بين مشاكل الداخل وبين ما له علاقة مع مشاكل المنطقة وتداخل مصالح الدول بعضها ببعض، حتى أن ثمة إعتقادًا لدى القاصي والداني أن لا أحد من أشقاء لبنان أو من أصدقائه على إستعداد لحرق أصابعه بالنار اللبنانية، مع ما لهذا الإنكفاء من تداعيات خطيرة، خصوصًا إذا ما تعرّض أمن لبنان للإهتزاز، سواء أكان من الداخل عبر ما يُعرف بالخلايا الإرهابية النائمة أو الذئاب المنفردة، أو من خلال الخطر المتربص به والآتي من حدوده الجنوبية.

هذا ما يقلق وما يقضّ المضاجع أكثر من فئة حاكمة وغير حاكمة في الوقت نفسه، وهي غير مؤهلة، نسبيًا، لتحمّل المسؤولية في اصعب الظروف التي يمرّ بها الوطن، والتي تحتاج إلى التعاطي معها بغير ما يتمّ التعاطي اليوم بقلة مسؤولية وعبر حكومة أقل ما يُقال عنها إنها حكومة لغير هذا الزمن، وهي غير مؤهلة لحلّ هذا الكمّ من المشاكل التي يعاني منها الوطن على كل المستويات وفي كل المجالات، الصغير منها والكبير، وهي غير قادرة، كما هو مبين بالوقائع والأدلة، على تقديم أي حل ممكن، حتى في ما له علاقة ببديهيات الأمور العادية، التي لا تحتاج إلى الكثير من العنتريات.

اليوم يجول وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان على المسؤولين، وسط أجواء لا توحي كثيرًا بالإرتياح والتفاؤل، خصوصًا أن فرنسا، التي ترى ما لا يراه الآخرون، سبق لها أن حذّرت من أن الدول الصديقة للبنان لا يمكنها أن تساعده إن لم يساعد نفسه بنفسه، أقله بالنسبة إلى الإصلاحات المطلوبة منه، وهي أقلّ الإيمان في بلد يغرق في مشاكله حتى أذنيه.