حرص الوزير لودريان على تقسيم المواضيع التي أراد بحثها على الرؤساء الثلاثة، فنقل رسالة من الرئيس الفرنسي ماكرون الى رئيس الجمهورية ميشال عون مؤكدا أن فرنسا ستبقى الى جانب لبنان، وبحث مواضيع قوات اليونيفل والالتزام بالقرار 1701 وترسيم الحدود مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بما وبمن يمثل، وطرح ملف الاصلاحات وصندوق النقد الدولي والمساعدات مع رئيس الحكومة حسان دياب، ليخلص في كل لقاءاته والتي شملت أيضا وزير الخارجية ناصيف حتي والبطريرك بشارة الراعي الى عبارة مقتضبة لكن لها معاني كثيرة، وهي “ساعدونا لكي نساعدكم”، مستشهدا بقول فرنسي مأثور: “ساعد نفسك يساعدك الله”.
كلام لودريان أكد بما لا يقبل الشك، عدم رضى وعدم إقتناع فرنسا بكل ما قامت به الحكومة، وهي بذلك قامت بتعريتها لتتناغم مع أكثرية اللبنانيين الذين باتوا على قناعة بان حكومتهم لا تمتلك سوى الكلام والتنظير عن بُعد وتشكيل اللجان، لكن ما يمكن أن تمرره الحكومة على الداخل اللبناني من خلال الكلام المعسول لرئيسها نثرا وشعرا، لا تستطيع تمريره على فرنسا وسائر الدول التي تتطلع الى إنجازات ملموسة وليست وهمية.
تشير المعطيات الى أن الرئيس حسان دياب الذي طلب من فرنسا عبر وزير خارجيتها مساعدة لبنان جاءه جواب صادم بأن لا مساعدات من دون إصلاحات، لا سيما في قطاع الكهرباء الذي لم تلمس فيه فرنسا أي تغيير بل على العكس فإن الأمور تزداد سوءا، إضافة الى إستقلالية القضاء ووقف الهدر والفساد، حيث ربط لودريان هذه الاصلاحات بوقوف صندوق النقد الدولي الى جانب لبنان، وبإعادة إحياء “مؤتمر سيدر” الذي يحتاج الى إستعادة ثقة دولية بلبنان ما تزال مفقودة.
ما قاله لودريان كان أشبه بتوجيه تأنيب الى رئيس الحكومة على عدم تنفيذ ما تعهد به قبل أشهر، ما جعل الأزمات تتوالد في لبنان وترخي بثقلها على الشعب اللبناني الذي تحاول السلطة خنق صوته الذي إرتفع في ثورة 17 تشرين، كما بدا واضحا أن وزير خارجية فرنسا يعي تماما ما يستطيع لبنان القيام به وتحمل تداعياته وما الذي يؤدي الى إنقسام وتوترات سياسية، حيث أكد وقوف فرنسا الى جانب الجيش الذي يشكل عامل جمع للبنانيين، وطلب من الدولة أن تبسط سلطتها على كل الأراضي اللبنانية، مشددا على ضرورة الالتزام بالنأي بالنفس عن كل ما يحيط بلبنان، وقد كان لافتا إستخدامه النأي بالنفس وليس الحياد، ما شكل رسالة على ضرورة تحييد لبنان عن أي إنقسام داخلي كون الأولوية هي لمواجهة الأزمات التي تحتاج الى تضافر كل الجهود.
“ساعدونا لكي نساعدكم”، عبارة رددها لودريان على مسامع الجميع، فهل تتلقفها الحكومة وتباشر بالاصلاحات الحقيقية التي تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان وتمهد بالتالي الى حل الازمات تدريجيا، أم أنها ستستمر في مراوحتها وذر الرماد في العيون الى أن يخرج الشعب اللبناني عن طوره ويعود الى الشوارع وصولا الى الاطاحة بها”.