بالمقابل فان أهل المحور، يقولون، كما شأنهم دائما، انهم لن يسمحوا لإسرائيل وأميركا التي تدعمها ان يحدّدا زمان ومكان الرد، ويقولون ثانيا، ان نتنياهو محرج أكثر منهم ذلك ان وضعه الداخلي مترنح بسبب التظاهرات اليومية، والكورونا تشل البلاد، والقلق كبير بسبب ضبابية الوضع الاميركي، ويقولون ثالثا انهم ردّوا على كل الاستفزازات بما يتناسب معها، الا في الاغتيالات الكبرى من عماد مغنية الى قاسم سليمان اللذين سيأتي يوم الانتقام لهما في ظروف مناسبة. لكن هذه المرة الأمور مختلفة تماما.
الخطوط الحمر
المراقب لصراع المحورين، يرى أن أميركا وإسرائيل غالبا ما أقدمتا ليس فقط على الاستفزاز وانما على تنفيذ عمليات مؤذية وخطيرة كسرت الخطوط الحمر مع المحور الآخر، وبقي رد المحور غير متناسب: من الغارات على مواقع نووية إيرانية، الى قتل ضباط إيرانيين على الأراضي السورية، الى اغتيال قادة عسكريين كبارا في الحرس الثوري وحزب الله والحشد الشعبي. لم يردّ المحور على كل ذلك بما يكسر الخطوط الحمر منذ فترة غير قصيرة، باستثناء ضرب قاعدة ” عين الأسد” الأميركية في العراق من قبل الإيرانيين، وهو ما أرادت طهران ان تقول عبره انها جاهزة للحرب. لكن على أهمية وجرأة تلك الضربة الا أنها بنظر كثيرين لم ترق الى مستوى قتل قائد عسكري وسياسي بحجم اللواء قاسم سليماني.
عدم الرغبة بكسر الخطوط الحمر من قبل ايران وحلفائها، له أسباب كثيرة: أولها ادراكهم ان أي كسر كبير لهذه الخطوط يعني الدخول حتما في حرب إقليمية وربما دولية غير متوفّرة شروطها الآن وغير معروفة النتائج على المحور، ثانيها الانقسام بالرأي داخل ايران نفسها بين تيار متشدد لا يؤمن بأي تفاوض مع اميركا رغم تجرّعه لهذه الكأس في الاتفاق النووي، وآخر أكثر واقعية يقول بأن ايران تحتاج انفتاحا بعد نحو ٤٠ عاما على ثورتها الإسلامية، وان ثمة جيلا جديدا يحتاج ما هو أوسع من حدود ايران والثورة. وثالثها ان اهل المحور بقيادة ايران يعتقدون بأنهم يحققون على الأرض رويدا رويدا أمورا كثيرة خصوصا انه صارت لهم مواقع قدم ثابتة في العراق وسورية واليمن ولبنان وصولا الى فلسطين، وان ايران تعقد اتفاقيات عالمية استراتيجية ستغير كل المعادلات وذلك مع الصين وروسيا.
الرد المتناسب من الحزب؟
اذا كانت ايران ترد على الهجمات الالكترونية علة مواقعها، بهجمات مماثلة لكن اقل تأثيرا وفق ما اعترف نتنياهو نفسه، فتكفي مراجعة سريعة لخطابات السيد نصرالله منذ رفع لواء ” المحور المتكامل”، لمعرفة أن الرد على قتل أحد مقاتلي الحزب مؤخرا في سورية آتٍ وأنه سيكون متناسبا مع الفعل الإسرائيلي.
ثمة حاجة معنوية قبل كل شيء للرد. ذلك ان بيئة الحزب وايران ترى استفزازات إسرائيلية أسبوعية ضد ايران، وترى كذلك ان الطائرة الأميركية استفزت طهران باقترابها التهديدي من طائرة ركاب إيرانية، وترى ان إسرائيل تشن عدوانها بشكل مستمر على الأراضي السورية بذريعة استهداف مصانع وصواريخ وقوات لإيران والحزب.
رد الحزب حاجة معنوية الآن للطرفين أي للحزب ولايران. لكن الظروف حرجة جدا، فالضغوط الدولية فعلت فعلها في الخنق الاقتصادي، وفي ارتفاع اللهجة الداخلية اللبنانية من التظاهرات حتى الخطاب السياسي وصولا الى رفع شعار ” الحياد”، ما يجعل الحزب هدفا سهلا للأصوات اللبنانية والعربية والدولية التي سترتفع محمّلة إياه مسؤولية الرد. كما ان نتنياهو وقادة عسكريين كثيرين حذروا مرارا الدولة اللبنانية بأنها ستتحمل مسؤولية أي عمل يقوم به حزب الله ضدها، أي ان الرد الإسرائيلي ربما يطال مواقع ومنشآت حيوية للدولة والجيش.
ثم هناك سؤال أكثر خطورة : ماذا لو ان إسرائيل التي تعمل على استجرار الحزب وايران للرد، ستسارع الى شن غارات انتقامية أوسع بغية خلط كل الأوراق ودفع الإدارة الأميركية الى التدخل في هذه المرحلة الانتخابية الحرجة ؟
لعل هذه الأسئلة هي التي تدفع البعض الى الاعتقاد بأن الأراضي السورية ستكون مسرح رد الفعل على الفعل الإسرائيلي، بينما يؤكد البعض الآخر بأن الحزب يفصل صراعه مع إسرائيل عن أي شيء آخر، وانه وكما قال نصرالله سيرد من أي مكان في كل مرة تقتل إسرائيل مقاتلا من رجاله.
الرد الباروميتر
انطلاقا من كل ما تقدم، وبعد ان وصل الاستفزاز الى حد ” احرجتمونا فاخرجتمونا”، فان المنطقة تقف حاليا امام لحظات حساسة جدا وخطيرة جدا، فاذا رد الحزب وهضمت إسرائيل الضربة، تكون العلاقة بين الطرفين ما زالت محكومة بالخطوط الحمر وبان نتنياهو حريص على عدم ازعاج الانتخابات الأميركية وبان وضعه الداخلي المعقد حاليا يشل حركته ( حتى ولو ان البعض يقول انه ليهرب من هذا الوضع قد يلجأ الى توتير الاوضاع) ، واذا لم يرد فهذا يعني أن الحزب لا يريد إعاقة الجهود الدولية لإيجاد تسوية إيرانية أميركية أو انه يفضل اشعار إسرائيل بقلق دائم في الاشهر المقبلة كما حصل في الأيام الماضية عند الحدود اللبنانية والسورية مع فلسطين.
أما اذا لم تهضم إسرائيل الرد، واقدمت على عمل واسع على اعتبار ان ثمة لحظة مناسبة لذلك، فلا احد يستطيع توقّع درجة التدحرج العسكري.
الاعتقاد السائد هو ان احتمال فوز او خسارة ترامب للانتخابات، سيكون المقياس الأكبر في الحسابات الإسرائيلية والإيرانية، وفي هكذا حسابات، فالحاجة الى التهدئة او الى الحرب تكون متوازية. لذلك الوضع الآن خطير وحساس.