وما جَعَلَ الصوتَ العالي الذي يؤشّر إلى مخاوف لم تعد مكتومة من تكرار السيناريو الإيطالي في لبنان يكتسب أبعاداً جدية أنه يَصْدر تباعاً من المعنيين الرئيسيين بملف «كورونا» وأعضاء في لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية، وذلك على وهج «العدّاد الصادِم» للحالات الايجابية التي سجّلت يوم السبت 175 إصابة، وهو الرقم الأعلى منذ توثيق أول حالة في 21 فبراير الماضي، بينها 10 إصابات لأفراد من الطاقم الطبي في كل من مستشفييْ الجامعة الأميركية والجعيتاوي.
وبدا لبنان أمس في شبه «حال طوارئ» غير معلَنة، برزت مؤشراتُها على مساريْن:
* الأوّل احتدام السباق بين الأرقام الصاعقة والتي يُتوقَّع أن تستمرّ في مسارٍ تصاعُدي، وبين الخيارات التي ستعتمدها السلطة لاحتواء الاندفاعة الأشرس لـ «كورونا» والتي يُخشى أن يتداعى معها النظام الصحي الذي يتلقّى جسمُه الضربات المباشرة عبر الإصابات المتزايدة والتي شملت أمس الإعلان عن 17 حالة بين أفراد الصليب الأحمر اللبناني في مركز زحلة، كما يواجه مخاطر عدم وفرة غرف العناية الفائقة ووقوع المستشفيات الخاصة فريسةَ الأزمة المالية التي تقبض على بلدٍ صار يصارع «الموت» وخطاً أحمر دولياً أمام أي مساعدة «لنظام يملؤه الفساد والتلاعب» وفق ما عبّر النائب الفرنسي غويندل رويار الذي كان في عِداد الوفد الذي رافق وزير الخارجية جان ايف – لودريان في زيارته لبيروت قبل أيام.
وراوحتْ القراءات للتحذيرات التي صدرت من مستشارة رئيس الحكومة بترا خوري التي توقّعت سيناريو مأسوياً ابتداء من 14 اغسطس، بلْورته أمس بإعلان «سيتزاحم الأب والابن على سرير بالمستشفى»، ثم من مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي فراس ابيض الذي «توقّع تطورات مروّعة ما لم نغيّر المسار ونحن على شفا هاوية صحية أو اقتصادية أو كليهما (…) ونحن على وشك فقدان السيطرة على الوباء ونحتاج إلى مهلة لالتقاط الأنفاس»، بين كونها في سياق حضّ المواطنين على التزام إجراءات الأمان (إلزامية الكمامة والتباعد) والتمهيد للتشدّد في فرَض احترامها، وبيّن أنها مقدّمة لخيارات تعود بالبلد إما إلى الاقفال التام (مع المطار) لأسبوع او اثنين أو إلى الاقفال الجزئي لبعض القطاعات أو إلى مرحلة الفتح الجزئي أي على قاعدة نسبة إشغال متدنية.
وسيشكّل الاجتماع الذي يعقده المجلس الأعلى للدفاع يوم غد قبل جلسة الحكومة محطة حاسمة في تحديد المسار وسط اقتناعٍ بأن السلطة يصعب أن تتخذ قراراً بحجم الرجوع إلى الإقفال الكامل في ضوء النكبة المالية – الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
* والمسار الثاني «الاستنفار الصحي» في المقرّات الرسمية والحزبية بعدما أتى كشْف أحد النواب في كتلة «القوات اللبنانية» (جورج عقيص) عن إصابته بـ «كورونا» (أعلن أنه أجرى الفحص لدى علمه بأن صديقه هادي الهاشم، مدير مكتب وزير الخارجية، الذي يلتقيه بشكل متكرر مصاب بالفيروس) بمثابة «إنزالٍ» خلف خطوط التحوّط والأمان التي يعتمدها المسؤولون اللبنانيون، قبل أن يفاقم «الخطر» إعلانُ نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر أن ابنتها مصابة بـ «كوفيد – 19».