في هذا الوقت، لم تجد السلطة حاجة الى الاسراع في اتخاذ القرارات، بل أبقت جلسة مجلس الوزراء في موعدها المحدد الاسبوع الماضي، يوم الثلاثاء، على ان يسبقها جلسة للمجلس الأعلى للدفاع، لاتخاذ الاجراءات اللازمة منعاً للارتفاع المستمر في الاصابات وتفشي المرض بشكل أكبر.
كورونا يتفشى
اذاً، التصريحات والمؤشرات الرسمية والطبية تؤشر إلى دخول لبنان في دائرة الخطر الداهم جراء التفشي المطرد للوباء يومياً فضلاً عن تسجيل ارتفاع ملحوظ بأعداد الوفيات، ما عزز المخاوف من “خروج الأمور عن السيطرة حكومياً وصحياً واستشفائياً” وفق تعبير أوساط طبية لـ”نداء الوطن” منبهةً إلى أنه “في حال لم يتم تدارك الوضع الوبائي بالسرعة اللازمة فإنّ البلاد ستكون حكماً أمام سيناريوات تراجيدية تفوق القدرة على المواجهة”.
المستشفيات غير جاهزة
في هذا الوقت، تطرح العديد من علامات الاستفهام حول قدرة المستشفيات على استقبال المرضى، في ضوء الصرخة التي أطلقها مدير مستشفى رفيق الحريري رئيس مجلس إدارة مُستشفى رفيق الحريري الحكومي فراس الأبيض مُشارفة المُستشفى على بلوغ قدرته الاستيعابية القصوى مع استقباله كل المُصابين الذين تستدعي حالاتهم الاستشفاء. وهو ما يدحض مزاعم “جاهزية” المُستشفيات الحكومية في المناطق التي وُعد المقيمون بها منذ آذار الماضي.
ففي 20 آذار الفائت، أعلن رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي أن 12 مُستشفى حكومياً في المناطق ستكون “جاهزة في غضون أيام” لاستقبال المصابين بالفيروس. آنذاك، كانت اللجنة تدرس تجهيز المُستشفيات الحكومية المتبقية ليُصبح العدد 29 مُستشفى حكومياً، إضافة إلى 10 مُستشفيات خاصة كمرحلة أولى، “مع احتمال فرض الأمر على مُستشفيات أخرى إذا ما دعت الحاجة”. ووقتذاك، احتسبت غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث عدد الأسرّة المفترض بـ 1879 سريراً و 336 عناية فائقة و215 سرير طوارئ في المُستشفيات الحكومية، و9523 سريراً و1972 عناية فائقة و878 طوارئ في المُستشفيات الخاصة، فيما قدّر وزير الصحة العامة حمد حسن عدد أجهزة التنفس المخصصة لمرضى كورونا بنحو 700.
أربعة أشهر مرّت على هذه التقديرات، والنتيجة أن لا المُستشفيات الحكومية الـ12 تمّ تجهيزها “خلال أيام”، ولا وصل عدد المُستشفيات الحكومية المفترض تجهيزها إلى 29، فيما المُستشفيات الخاصة التي تترنح بفعل الأزمة الاقتصادية، لا تزال غالبيتها عازفة عن استقبال الحالات غير الطارئة. أما أجهزة التنفس الاصطناعي، فتفيد معلومات “الأخبار” بأن جزءاً كبيراً من المعدات التي تحتاج إليها لا يزال مفقوداً بفعل تطور أزمة استيراد المُستلزمات الطبية. وكانت تقديرات نقابة مستوردي المستلزمات الطبية تشير، في آذار، الى أن 80% من الأجهزة التي كانت متوفرة آنذاك لا تعمل. ومذاك، لم يطرأ أي تغيير على هذا الواقع.
الحكومة تتجه الى الاقفال الجزئي
والواقع أن الصرخات والتحذيرات الطبية حيال خطر بلوغ مرحلة الانهيار الاستشفائي بلغت ذروة غير مسبوقة ووضعت الحكومة أمام حقيقة صعبة للغاية واستحقاق لم يعد ممكناً تأجيل اتخاذ قرارات حاسمة في شأنه وهو الموازنة بين حتمية اتخاذ قرارات جذرية لفرملة الاندفاع نحو كارثة وبائية وصحية واستشفائية تماثل ما عرفته بعض الدول الاوروبية وغيرها في المراحل السابقة من الجائحة، والاستمرار في تأمين الحد الممكن من الحركة الاقتصادية وسط أصعب الظروف التي يواجهها لبنان. واذا كان هذا الاتجاه يبدو غالباً على المواقف السياسية الرسمية ويتجه مجلس الوزراء الى بلورته في جلسته غداً في قصر بعبدا، فإن الأوساط الصحية والطبية المعنية والمشاركة في لجنة الطوارئ التي تمهد بتوصياتها لقرارات مجلس الوزراء بدأت تجمع بدورها على المطالبة الملحة بإعادة اعتماد قرار إقفال البلد اقفالاً شاملاً ولو موقتاً لفترة أسبوعين، الامر الذي تعده الفرصة المتاحة الأخيرة لمنع الكارثة أو على الأقل لفرملة اندفاعاتها، والا فإن المحظور المخيف سيقع اذا استمر الرهان الخاسر على تقيد المواطنين بالاجراءات الملزمة من وضع الكمامات والابتعاد الاجتماعي وتفادي التجمعات.
ولكن بدا من الدعوة التي وجهت أمس الى المجلس الأعلى للدفاع لعقد جلسة قبل ظهر غد تسبق جلسة مجلس الوزراء أن ثمة اتجاها الى اتخاذ اجراءات متشددّة لن تكون أقل من إقفال جزئي لعدد من القطاعات السياحية والاقتصادية من جهة، ومنع التجمعات والحفلات والتشدّد في قمع المخالفات من جهة أخرى. وستتقرّر هذه الخطوات بصورة مبدئية في اجتماع تعقده اليوم اللجنة الوزارية المكلفة متابعة التمدد الوبائي لكورونا برئاسة رئيس الوزراء حسان دياب. وقالت مصادر وزارية لـ”النهار” انه ستتضح في الساعات المقبلة الاتجاهات التي ستعتمدها الحكومة حيال الاستحقاق الصعب الذي يوجب موازنة الاجراءات والخطوات لمنع مضي العاصفتين من التدحرج، أي العاصفة الوبائية والعاصفة المالية، ذلك أن لبنان يواجه العاصفتين عاريا من القدرات اللازمة ولا بد من توازن دقيق يسمح بانقاذ البلاد من براثن الانهيارين المتزامنين. وفي هذا السياق نفى رئيس مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن ان تكون ثمة نية لاقفال المطار واكد ان هذا الامر غير وارد بتاتاً، موضحاً انه “لو كانت الزيادة في اعداد اصابات كورونا سببها الركاب الوافدون من الخارج، لكان اقفال المطار واجباً، لكن الحقيقة ان نسبة الاصابات في الوافدين لا تصل الى نحو نصف في المئة بما يعني أن المشكلة هي في كيفية مراقبة القادمين”.
الملف المالي
هذا في الشق الصحي، أما في الشق الاقتصادي، وعلى رغم طغيان العاصفة الوبائية على مجمل الملفات الداخلية، قالت المصادر الوزارية لـ”النهار” ان الملف المالي سيعود الى الطاولة انطلاقا مما بلغته الاجتماعات التي عقدت الاسبوع الماضي وتناولت الارقام المالية في الخطة الحكومية وان المساعي ستتجدد لتوحيد الموقف الرسمي من هذه الارقام تمهيدا لاعادة تحريك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وأشارت المصادر الى ان زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان- ايف لودريان لبيروت ادت من جملة ما ادت اليه الى تثبيت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كمفتاح اساسي للمعالجات كما ينظر اليها المجتمع الدولي وهو ما يحمل لبنان تبعة اكبر في التعجيل في الاتفاق على الارقام المالية لمعاودة المفاوضات.