وهذا الفساد له منظوماته السياسية، التي تكاد قوتها تفوق قوة الدولة كونها تعشش، بأزلامها والمحاسيب، في كل الوزارات والمؤسسات الهامة والخاصة، ولا سيما منها الدسمة، اي تلك التي تتيح طبيعة اختصاصها وعملها السطو على المال العام بالطرق المباشرة منها والملتوية، فضلاً عن فساد الموظفين الكبار وما دون، وصولاً الى ادنى وظيفة.
وهذه المنظومات الفاسدة انشأت لنفسها شبكات حماية تقوم «بالتكافل والتضامن» على تعطيل اي محاولة تستهدفها، بدليل، انّ ما من محاولة جرت لمكافحة الفساد وكشف ملفات سرقة وسطو على المال العام بمختلف الطرق إلّا وكان مصيرها التعطيل والاحباط، ومنها المحاولات التي تقول الحكومة انّها قامت بها، او تلك التي يقوم بها بعض الكتل النيابية والاحزاب، حيث انّ كل هذه المحاولات واجهت ولا تزال تواجه عراقيل، بعضها كان مفاجئاً، او لم يكن في الحسبان.
والملفت، انّ الفاسدين على اختلاف مشاربهم السياسية والطائفية والمذهبية يجتمعون دوماً على احباط اي خطة او عمل، يدركون مسبقاً انّه سيكشفهم امام الرأي العام، وهذا ما حصل للمحاولات الجدّية التي بذلها البعض لمكافحة الفساد في قطاعي الكهرباء والإتصالات، وكذلك في القطاعين المالي والمصرفي وغيرهما من القطاعات «الدسمة». علماً انّه يندر وجود قطاع او ادارة في الدولة يمكن تنزيهها عن الفساد. ومقولة انّ مال الدولة هو دوماً محل طمع، يعمل كثيرون بها من دون وازع من ضمير او اخلاق، فيما شرائع الديانات السماوية كلها تحرّم السطو على المال العام، لأنّه مثل «المال الوقفي» يعود لمصلحة الجماعة ولا يجوز لفرد او جماعة التصرّف به بغير وجه حق.