مجلس الوزراء
اذاً، شهدت جلسة مجلس الوزراء أمس فصلاً من فصول التخبط العميق الذي بات يطبع الواقع الحكومي والذي لم تقتصر مفاعيله على مسائل الداخل، بل طاولت الموقف من زيارة لودريان بما قد يتسبّب بتداعيات سلبية على العلاقات اللبنانية – الفرنسية. فبعدما كشف رئيس الجمهورية في مستهل الجلسة أن تدبير اعتماد التدقيق الجنائي “كان موضع ترحيب وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارته للبنان معتبراً أنه بداية فعلية لبناء الدولة”، هاجم دياب مواقف لودريان قائلاً: “كان واضحاً أن زيارته لا تحمل جديداً ولذلك اعتمد أسلوب التحذير من التأخير في الاصلاحات وربط أي مساعدة للبنان بها، كما شدّد على أن صندوق النقد الدولي هو الممر الوحيد لأي مساعدة للبنان”. وأضاف دياب: “بغض النظر عن تحذيرات الوزير الفرنسي وعن نقص المعلومات لديه عن حجم الاصلاحات التي قامت بها الحكومة، إلا أن كلامه مؤشر على أن القرار الدولي بعدم مساعدة لبنان ما زال ساري المفعول”. وبعد ذلك شنّ دياب هجمة داخلية ضاعت أهدافها باعتبار أنها يجب أن تتوجه الى الحكومة نفسها. وحاول دياب تغطية هذا الالتباس بالحديث عن “حالة فجور تمارس على الدولة ووجود إدارة خفية للمافيات التي تتحكّم بالبلد قد تكون مافيات سياسية وقد تكون مافيات تجارية”. وشدّد على “أن جزءاً كبيراً من المشاكل التي نراها هو مفتعل. البلد يعوم فوق بحيرة من المازوت، لكن التجار يخفون المازوت حتى يبيعوه في السوق السوداء، والبلد ممتلئ بالمواد الغذائية ويوجد في المستودعات ما يكفي البلد لستة 6 اشهر ومع ذلك فإن التجار يخفون البضائع”.
ولعل المفارقة اللافتة أن نائبة رئيس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر أكدت في مداخلة لها في الجلسة أن التجار يعملون على تخزين المازوت والمواد الغذائية وغيرها والإسمنت، مشيرة الى أن السلة الغذائية المدعومة تكلف الدولة كثيراً لكن أسعار السلع المدعومة لم تنخفض جميعها ولم نر نتائج ايجابية أو تحسناً من شأنه خفض الكلفة على الناس. وتساءلت: “نحن الحكومة التي تأخذ القرارات فلماذا لا يتم التنفيذ بشكل سريع؟ المطلوب اتخاذ قرارات جريئة وفورية وعدم تضييع الوقت والتأخير في إجراء اللازم”. واذ اعتبرت أن دور الحكومة هو العمل والانتاج، ختمت: “لمن نشكو؟ نحن الحكومة والقرار عندنا والمسؤولية علينا”.
في هذا الاطار، توقّف عدد من القيمين على الأجهزة الأمنية بكثير من الاستغراب أمام الهجوم الذي شنّه دياب عليها فرأوا فيه حالة “شيزوفرينيا موصوفة” لا سيما وأنّ “أجواء رئيس الحكومة كانت حتى وقت قريب من إطلاق هجومه هذا مغايرة تماماً لما قاله، بل هو كان على اتصال وتنسيق مباشرين مع قادة الأجهزة حتى أنه أثنى على عملهم وأدائهم”، وفق ما كشفت مصادر أمنية رفيعة لـ”نداء الوطن”، مضيفةً: “إذا كان الهدف من إلقاء اللوم والمسؤولية على الأجهزة تحقيق بعض الشعبية بين الناس فـ”الشمس شارقة والناس قاشعة”، ألا يكفي الأجهزة الأمنية ما تتحمله جراء الفشل السياسي في البلد، ألا تكفيها محاولات وضعها في مواجهة الشعب؟ ألا يشعر المسؤولون بما يعانيه العناصر العسكريون والأمنيون من ضغط على كافة المستويات خصوصاً وأنّ رواتبهم تبخرت ورغم ذلك لا يزالون يقومون بواجباتهم كاملة ويقدمون الشهيد تلو الشهيد؟”. وختمت: “الأجدى أن يبحثوا عن المسؤولين الحقيقيين عن التردي السياسي والاقتصادي في البلد بدل أن يرموا التهم جزافاً على كاهل الأجهزة”.
وفي ما بدا مؤشراً تصاعدياً مثيراً للغرابة والتساؤلات رأت أوساط معارضة لـ”النهار” أن المواقف الحادة للرئيس دياب في الجلسة جاءت لتكشف هشاشة السياسة التي يمعن في اتباعها للتغطية على فشل الحكومة في مختلف مسارات الأزمة الداخلية، إن على مستوى الأزمة المالية والاقتصادية، أو على مستوى الاخفاق الواضح في تحمّل الحكومة مسؤولية التحسّب للتفشي الوبائي لفيروس كورونا. وقالت هذه الأوساط أنه لم يعد خافياً أن كثيرين من الوزراء أنفسهم باتوا يستشعرون ثقل الدفاع عن المواقف التي يتخذها رئيس الوزراء من خلال اعتماده الهجمات غير المنطقية على كل منتقدي الحكومة ومعارضيها ومن ثم تأكيد وجهات نظر هؤلاء المعارضين ضمناً وعلناً كما فعل أمس بالذات حين طرح تساؤلات وانتقادات يجب أن توجه اليه شخصياً وأن يجيب عنها هو كرئيس للوزراء.
دبلوماسياً، كشفت مصادر ديبلوماسية اوروبية أن وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان التقى على هامش زيارته الى لبنان نهاية الاسبوع الماضي خارج برنامج زيارته المعلن وبعيدا من الاعلام أكثر من شخصية سياسية لبنانية ومن بينها وفدا من حزب الله تناول معه موضوع علاقة فرنسا مع الحزب ورغبة الاخير بالاصرار على المحافظة على هذه العلاقة بمعزل عما اعترى هذه العلاقة من اهتزازات وتردٍ ملحوظ جراء تفاعل الاحداث السياسية الاخيرة في لبنان بعد التحركات الشعبية المناهضة للتركيبة الحاكمة برمتها في تشرين الماضي ودور الحزب في الانخراط بالسلطة وتأثيره الفاعل بتركيب الحكومة الحالية وفي ضوء تصاعد الخلافات الفرنسية الايرانية عموما حول الملف النووي وتماهي الموقف الفرنسي مع الولايات المتحدة الاميركية بهذا الخصوص.
واشارت المصادر الى ان الحديث تركز على الوضع في لبنان وتأثير فرنسا في لعب دور مهم وفاعل نظرا لموقعها وعلاقاتها الجيدة عالميا للتخفيف من وقع الازمة التي يتعرض لها لبنان ماليا واقتصاديا وفي التوسط مع الدول ذات التاثير ولاسيما مع الولايات المتحدة الاميركية لفك طوق العزلة المفروض على لبنان منذ تاليف الحكومة الحالية.
واضافت المصادر ان الوزير الفرنسي ألذي ابدى حرص بلاده على استمرار دعم لبنان، ابلغ الوفد بصراحة مآخذ واعتراضات بلاده على تصرفات وتعاطي الحزب في الاخلال بموازين القوى السياسية الداخلي والامعان بتعريض وحدة وسيادة وامن واستقلال لبنان لمخاطر جمة، من خلال انخراطه المتواصل بالازمات والصراعات الاقليمية بما فيها الازمة السورية على حساب لبنان وهو مالا توافق عليه فرنسا بتاتا،ومذكرا بموقف بلاده المنسجم مع المواقف الاوروبية عموما وموقف الولايات المتحدة الاميركية والقاضي بضرورة عدم الزج بلبنان بصراعات وازمات المنطقة تجاوبا مع رغبات ومطالب اكثرية اللبنانيين مشيدا في الوقت نفسه بدعوة البطريرك الراعي بهذا الخصوص، مع تأكيده بأن اي مساعدة او دعم فرنسي للبنان لحل الازمة المالية،مرتبط بمدى جدية الحكومة اللبنانية بالتزام تنفيذ رزمة الاصلاحات البنيوية المطلوبة بسرعة في مختلف القطاعات ولن يكون هذا الدعم بشكل مباشر وانما في إطار صندوق النقد الدولي كما هو معلن اكثر من مرة وتم ابلاغه مباشرة وبصراحة لكافة المسؤولين اللبنانيين.
وفي الغضون، لا تزال ترددات الهزة الأمنية على الجبهة الحدودية تتوالى فصولاً على وقع استمرار إسرائيل في تأجيج الموقف وتهديد لبنان الرسمي بتدفيعه ثمن “التموضع الإيراني” في الجنوب حسبما لوّح رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أمس خلال تفقده مقر قيادة المنطقة العسكرية الشمالية، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي توازياً إرسال “تعزيزات عسكرية بمنظومات نيران متطورة وتجميع المعلومات وقوات خاصة إلى الحدود”، ليعيد المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي ليلاً تأكيد “رصد عدد من المشتبه فيهم في منطقة الجليل الغربي بالقرب من السياج الحدودي مع لبنان”، لافتاً إلى أنّ “الحادث تحت المراقبة والتفاصيل قيد الفحص”.
أما على الضفة المقابلة، وبينما كلف مجلس الوزراء وزير الخارجية ناصيف حتي تقديم شكوى أمام مجلس الأمن ضد الاعتداء الإسرائيلي على الجنوب نهار الاثنين، فلا تزال الدولة اللبنانية بأجهزتها المعنية تحاول “فك شيفرة” ما جرى حقيقةً على الحدود، إذ تشدد مصادر رسمية لـ”نداء الوطن” على أنه “حتى الساعة لا توجد معطيات مؤكدة حول طبيعة الحادث الذي حصل في المنطقة الحدودية، وكل التقارير العسكرية والأمنية الرسمية لم تستطع توثيق أو تحديد أي معطى يُعتد به إزاء هذا الحادث سوى مسألة القصف الإسرائيلي لأراضٍ وبلدات جنوبية”، معربةً عن أسفها لكون الدولة بدت في خضم المشاهد النارية التي حصلت كـ”الأطرش بالزفة” والثابت الأكيد الوحيد الذي يمكن استخلاصه من هذه المشاهد هو أن “لبنان بات موضوعاً على صفيح ساخن من الأحداث الإقليمية، واللبنانيون أصبحوا بجيشهم وشعبهم ودولتهم واقعين بين “فكّي كمّاشة” تمسك كل من إسرائيل وإيران بطرفيها، ومن الممكن أن تطبق عليهم في أي لحظة من دون أن يعرفوا ماذا حصل ولماذا حصل”.