اولاً، خيبة من حجم المساعدة الفرنسية المتواضعة لمؤسسات تربوية (15 مليون يورو). اذ كان المنتظر منها مساعدات اكبر.
ثانياً، تحفّظ شديد في موقع رئاسي، على “افراط” الوزير الفرنسي في احاطة وضع لبنان بنظرة سوداوية تشاؤمية، وتحميل السلطة الحالية مسؤولية ما حلّ بلبنان، واتهامها بتجاهل النصائح والمطالبات الدولية بإجراء الاصلاحات، ووضعها في خانة اللامبالاة، حينما قال “ساعدونا لكي نساعدكم”، غافلاً الجهود التي تبذلها لتجاوز الازمة ومصاعبها، وانّها مضت فعلاً في طريق الاصلاح خلافاً لما كان عليه الحال في الحقبات السابقة.
ثالثاً، استياء واضح في موقع آخر. فما تبدّى للجانب الحكومي، هو تجاهل لودريان الكلي والمتعمّد لما قامت به الحكومة من خطوات واصلاحات، مع انّ الحكومة نفسها سبق لها ان تلقّت قبل بضعة اسابيع، إشادات فرنسية مباشرة بما تقوم به. وخصوصاً حينما ابلغت الى الفرنسيين، سواء وزير الخارجية او ناظر “سيدر” السفير بيار دوكان، بخطة التعافي.
وعلى ما يُقال في هذا الموقع الرئاسي، انّه قبل وصول لودريان، تبلّغ الجانب الحكومي اجواء عن اتصالات من دول مساهمة بـ”سيدر” مع الفرنسيين تحث على السير فيه، وكذلك اتصالات اوروبية مع الفرنسيين ايضاً لحثهم على اطلاق مبادرة تجاه لبنان. (سبق ذلك ما تسرّب عن مبادرة سيطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تجاه لبنان) الّا انّ الجانب الحكومي فوجئ بأنّ لودريان كان سلبياً جدًا، وساق اتهامات كثيرة، فتمّت مواجهته بجدول مفصّل بكل ما قامت به الحكومة، وكان لافتاً للانتباه انّه بدا وكأنّه يسمع بها للمرة الاولى. وكان تأكيد على انّ الحكومة لا يمكن لها ان توافق على اعتبارها قولاً او ايحاء، بأنّها مقصّرة او مخلّة بواجباتها. ورئيس الحكومة اكّد للوزير الفرنسي ما حرفيته: “الاصلاحات التي نجريها، هي من اجل بلدنا وليس من اجل اي بلد آخر، لقد قامت الحكومة بواجباتها كاملة، واعدّت مجموعة كبيرة من مشاريع القوانين الاصلاحية واخذت مسارها الطبيعي الى مجلس النواب لاقرارها”. وحينما عبّر لودريان عن خشية من انتهاء لبنان كوطن، قال له رئيس الحكومة: “لبنان جسر بين الشرق والغرب، فاذا سقط لبنان، يسقط هذا الجسر، وكارثة على العالم لأنّه سيخسر قيمة انسانية وحضارية”.
ويجزم الجانب الحكومي، بأنّ “ثمة قراراً بالتضييق، مهما فعلت السلطة”، ويسأل: “مع كل خطوة اصلاحية يأتي البعض في الخارج، مؤيّداً من بعض الداخل، ويدرجها في خانة غير المقبولة وغير المقنعة ومجافية لمنطق الاصلاح، فأي اصلاح هو المقبول في نظرهم؟ وما هي الاصلاحات، أو بالاحرى ما هو نوع الإصلاحات التي يطلبونها؟ الحكومة تتعرّض للضغط القاسي، فقط لمجرّد الضغط، ولغايات يُخشى ان تكون كامنة تحت عنوان الاصلاحات، واكبر من قدرة الحكومة، ومن قدرة اصحاب تلك الغايات، على مقاربتها لحساسيتها اللبنانية والاقليمية والدولية”.
رابعاً، تفهّم في موقع رئاسي ثالث، للصراحة التي قارب فيها الوزير لودريان الملف اللبناني والازمة الاقتصادية والمالية وأسبابها، وللنصائح التي أسديت من المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، من دون ان تلقى استجابة من السلطة، والتي عاد وكرّرها، لتجنّب الكارثة.
وبحسب ما يقال في هذا الموقع الرئاسي فإننا “لا نسلّم بكلّ المآخذ التي سجّلها لودريان على الحكومة، وخصوصاً لناحية تحميلها وحدها مسؤولية التسبّب بالأزمة من دون اي اشارة الى الحقبات الحكومية السابقة، ولكن يجب ان نعترف بأنّ الحق علينا، واننا فقدنا ثقة العالم وجعلناه يشكّ بنا ولا يصدقنا، نحن حوّلنا بلدنا الى جمهورية فساد بالكامل، ومحميّات ولصوصيات، وارتكبنا بحقه كل الموبقات المخجلة، وتسببنا بكل هذا الانهيار الحاصل في لبنان”.
يضيف صاحب هذا الكلام: “الحكومة مسؤولة، هذا صحيح ولا تستطيع ان تدّعي غير ذلك، كان عليها ان تثبت انها جدية، وان تتجنّب كل السقطات التي وقعت فيها والتجارب الفاشلة التي أجرتها بلا اي طائل، والثغرة الاساس في التعيينات، وفي ملف الكهرباء، وفي غيرها من الملفات المشبوهة، والفضائح، وكل ذلك ما كان ليحصل لو كان هناك قضاء بمنأى عن المداخلات السياسية، وهذا ما يعترف به وزراء في الحكومة، كلّ ذلك رآه الوزير الفرنسي بأمّ عينه، وأمام ما رآه، هل ننتظر منه ان يقول أقل ممّا قاله؟”.
ويتابع: “في الاساس، ندرك انّ باب المساعدات الخارجية مقفل امام لبنان، وعشرات الشواهد، الاميركية تحديداً، تؤكد ذلك. وتِبعاً لذلك صار علينا ان نصنع العلاج بقدراتنا الذاتية، حتى ولو كانت متواضعة وبطيئة المفعول. فالوزير الفرنسي أطلق رصاصة الرحمة على كل أمل بتلقّي لبنان اي مساعدة من اي دولة، الّا اذا استطاع لبنان ان يعثر على تلك النافذة التي تحدث عنها، والتي يتمكّن من خلالها اللبنانيون من الولوج الى خلاصهم وإنقاذ بلدهم”.