الكارتيلات تبتلع 50 مليار دولار… ولا كهرباء!

3 أغسطس 2020
الكارتيلات تبتلع 50 مليار دولار… ولا كهرباء!

كتبت ايفون أنور صعيبي في “نداء الوطن” تصلح أحداث “رواية” الكهرباء لانتاج “ديكودراما” وعرضها على شبكة”Netflix”، فهي التي ساهمت طوال 30 عاماً في بناء كارتيلات لا بل امبراطوريات نفطية على تلال “فيول” مضروب. تسمح البدع “الفيوليّة” اللبنانية بابتكار حبكة إخراجية تؤرخ عمليات الاستغلال السلطوية، التي قام بها “أسياد” النفط والسياسة الذين ابتليت بهم البلاد عبر السنين، بعدما انخرطوا في صفقات بترو-مصرفية ممتهنين فنّ الفساد والتهرب من تحمل المسؤوليات نهجاً.

قبل كلّ شيء، تجدر الانطلاقة من حيث أنهت وكالة “Bloomberg” تقريرها الأخير عن لبنان، وفيه تناولت “التأخر عن تسديد المستحقات لـ”كارادينيز” التركية التي تتخطى الـ 100 مليون دولار أميركي”، مع كل ما يحمله ذلك من تبعات قانونية في حال قررت الشركة الادعاء على لبنان، وطاقوية اذا غادرت السفينتان الشاطئ اللبناني على بغتة. اعتزال “Karpowership” (التي تؤمن حوالى 400 ميغاواط) يعني مضاعفة انخفاض القدرة الإنتاجية للكهرباء، الا ان خروجها من المياه اللبنانية يشكل رحيلاً لكابوس مَرّ رغم أنوف غالبية اللبنانيين فأثقلت رائحة فساده كاهلهم منذ العام 2013.

ورغم ان الرئيس التجاري للشركة قد اعرب بحسب ” Bloomberg” عن استمرار “كارادينيز” بالعمل لحين انتهاء العقد مع الحكومة اللبنانية العام 2021، الا ان مصادر متابعة تستبعد هذا الاحتمال، مشددة لـ”نداء الوطن” على ان الوزارة تتلكأ في السعي لتأمين مصدر جديد لتوليد الطاقة الكهربائية خصوصاً مع عدم احراز أي تقدم في المفاوضات مع ” Siemens AG” و”General Electric” و “Ansaldo Energia SpA” لبناء محطات طاقة جديدة، فيما الحكومة الحالية عاجزة عن تقديم اي ضمانة سيادية لهذه الشركات العالمية بعد تعثرها وامتناعها عن تسديد مستحقات اليوروبوندز وفشلها في اقناع صندوق النقد الدولي الذي جمّد مباحثاته معها. كلّ ذلك بلا اعتماد خطة واقعيّة تأخذ في الاعتبار المعامل على الغاز والطاقات البديلة الكفيلة بتأمين أكثر من 50% من حاجة لبنان الكهربائية من دون تحميل الأعباء للمواطنين.

وفي ظلّ المحاولات الحثيثة للفلفة قضية الفيول مخلوطاً كان ام مغشوشاً او مضروباً والذي تسبب بـ 70% من عجز الكهرباء (على أساس أنّ العجز التقني يبلغ 30% فيما كلفة استيراد الفيول تتسبب بباقي القيمة)، يبدو خيار اعتماد الغاز الطبيعي فرضية اكثر من مستحيلة لافتقار السياسيين المتعاقبين من نواب ووزراء الى الجرأة التي يتطلبها قرار مماثل من شأنه أن يطيح بـ”كراسيهم” ويخرّب العلاقة مع كارتيلاتٍ أنتجتهم.

الدعوى ضدّ “سوناطراك”… استباقية

وبالحديث عن كلفة انتاج الكهرباء، وتحديداً في ما خصّ “فضيحة” الفيول المخلوط، ففي التحقيق الداخلي الذي أجرته وزارة الطاقة والمياه تبيّن انه وفي تاريخ 31/‏03/‏2020 و1/‏04/‏2020 استلم مختبر النفط المركزي 7 عينات مختلفة مأخوذة من عدة خزانات تابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، فتم فحصها لدى منشآت النفط وجاءت نتيجتها جميعاً خارج المواصفات المعتمدة لناحية الترسبات sediment التي كانت أعلى من 4 pct. بعد ذلك، امتعض مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك الذي تقدم بدعوى ضد “Sonatrach” وقد أراد من خطوته الإشكاليّة الاستباقية هذه تأمين غطاء قانوني في حال تمّ التوسّع بالتحقيقات التي قد تورطه، بعدما تبيّن ان حوادث التباين بين فحوصات الفيول اويل للعينات المأخوذة من بلد المنشأ وبين الفحوصات التي يجريها معمل المولدات العكسية ومشغلو البواخر التركية سبق وتكررت، لكن من دون ان يمنع حايك تفريغ أي من الشحنات انطلاقاً من صلاحيات موقعه كمدير عام للمؤسسة. وللتذكير، فانّ حايك قد زامن الحادث الذي وقع منذ ما يناهز الـ4 أعوام، عندما تلقى لبنان شحنة مغشوشة تسببت بعطل في البواخر التركية، قبل أن تعود وتُخصّص الشحنة عينها لمعملَي الذوق والجيّة الحراريين. 

لم تبلّغ “مؤسسة كهرباء لبنان” اذاً وزارة الطاقة بمشكلة الفيول غير المطابق للمواصفات الا خلال العامين 2019 و2020، وذلك بموجب كتبها رقم 4176 تاريخ 24/‏04/‏2019 ورقم 6942 تاريخ 15/‏07/‏2019 ورقم 2678 تاريخ 10/‏3/‏2020. والامر عينه ينطبق على تحالف الشركات المشغلة لمعامل المحركات العكسية MEP/‏OEG/‏Arkay بالإضافة الى “Karpowership” وجميعها لم تتحفظ يوماً قبل العام 2019 على شحنات الفيول أويل، كما انه لم يسبق لشركة ” MEP” التي أصرت على إعادة فحص “Baltic” (أساس قضية الفيول المغشوش) أن اشتكت من نوعية الفيول أكان “Grade A” ام “Grade B”، مع الإشارة الى ان “مانيفسيت” البواخر المستوردة الى لبنان منذ العام 2017 والذي اطّلعت عليه “نداء الوطن”، يؤكد ان مصادر الفيول المستوردة الى لبنان هي عينها منذ ما قبل دخول ” ZR Energy” وتحديداً عندما كانت “BB energy” تلتزم تأمين هذه المادة لصالح “مؤسسة كهرباء لبنان” بالنيابة عن “سوناطراك” او من دون وساطتها، وهو ما تشير اليه ايضاً بعض الافادات في القرار الظني لقاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور.

“سوناطراك” ترفض الادعاءات

وكانت “سوناطراك” في تاريخ 03/‏03/‏2020 قد أبلغت الوزارة بانها لا تُرسل أي شحنة فيول الا اذا كانت موافقة تماماً للمواصفات التعاقدية الواردة في البند من العقد Quantity and quality” determination” ومصدقة في ميناء التحميل من قبل وكالات عالمية محايدة ومعتمدة من قبل وزارة الطاقة والمياه، وان أخذ عينات واجراء اختبارات من قبل الوزارة او أي طرف ثالث بعد انتقال ملكية الفيول، لا يقع بتاتاً ضمن مسؤولية “سوناطراك” وليس ضمن النطاق التعاقدي. الى ذلك، شددت “سوناطراك” على ان الفيول الذي ترسله خالٍ من الإضافات كالكاربونيل والنفايات الكيميائية، وبذلك فهي تضمن تجانس البضاعة وبقاءها مستقرة خلال فترة ملكيتها وليس بعد انتقال الملكية Title and Risk الى الوزارة، كما انها ليست مسؤولة عن كيفية تخزين الفيول او عن الشروط المناخية او نظام المعالجة او الفصل الذي يُستعمل من قبل المشغل قبل ضخ الفيول في المولدات العكسية، ما يعني لا تضمن ايضاً عدم حصول عمليات تبديل للفيول المتواجد على متن السفن القابعة في أعماق البحر.

نتائج الفحوصات… ألاعيب مختبراتية

تؤكد غالبية إفادات موظفي مختبرات المنشآت متهمين كانوا أم شهوداً على أن رئيس المختبر ج.ص كان يطّلع على نتائج فحوصات كلّ المواد النفطية المستوردة الى السوق المحلية ومن ضمنها شحنات المازوت والفيول المخصصة لكهرباء لبنان. وكان في حال عدم مطابقة شحنة ما للمعايير اللبنانية يبلغ الرئيس السابق للجنة إدارة المنشآت سركيس حليس الذي يقرر منفرداً مصير الشحنة وما اذا كانت ستفرغ ام لا بعد التنسيق مع “شركائه”. هذا وتؤكد الافادات على استخدام “سوناطراك” كواجهة من قبل” ZR Energy “وقبلها من قبل “BB Energy” وهو ما يعزّز احتمال وجود تواطؤ من قبل وزراء الطاقة المتعاقبين لا بل الحكومات المتعاقبة واصحاب الشركات المستحوذة على القطاع، خصوصاً بعد انكشاف ما تضمنته المراسلات من تفاصيل لناحية التنسيق ما بين “BB Energy” (المهيمنة على هذا القطاع منذ التسعينات) و”ZR Energy”، في ما خصّ الباخرتين “San Sebastien” (التي اظهرت نتائج تحليلها تفاوتاً مع المعايير المفروضة لبنانياً) و “Hafnia Malacca” واللتين كانتا محملتين بمادة المازوت لصالح “كهرباء لبنان” في 28/‏10/‏2019.

في المحصلة، ولحين تغير المناخ السياسي، يبدو أن لا حلّ لقطاع الكهرباء الا من خلال هيمنة “امبراطوريات” نفطية، لذا فانّ السيناريو الاوحد والذي بدأ بـ “سلفات خزينة” تخطت الـ40 مليار دولار(من دون احتساب الفوائد) بالاضافة الى ما يناهز الـ10 مليارات دولار، بدل اكلاف المعامل الجديدة ومحطات وخطوط النقل والاستملاكات، وتسديد ثمن الطاقة المستجرة من سوريا، وسلفة البواخر… وكلها مع الاستمرار بالاتكال بما نسبته 50% على المولدات الخاصة لن ينتهي الا مع امتصاص كلّ احتياطات البنك المركزي، بما ان الحكومة لم تجد حلاً لهذه المعمعة الا آلية الـSpot Cargo المكلفة والتي تبرع فيها كل من “ZR Energy” و”BB Energy”، على رغم معرفتها بالحلول البديلة النظيفة بيئياً ومالياً.