أولاً: إن طبيعة الأزمة الحالية التي تضرب لبنان مختلفة تماماً عن أزمة ما بعد الـ2005، فحينها، كانت أزمة سياسية بامتياز وكانت البلاد خارجة من زلزال إغتيال الرئيس الحريري، وكان الصراع صراعاً بين محورَي 8 و14 آذار وكان هناك تشكيك بشرعية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، وبالتالي فإن تدخّل الجامعة العربية كان من باب السياسة ومن أجل التوفيق بين الاطراف المتنازعة، أما اليوم فان الازمة إقتصادية والجزء الأكبر من حلها في يد اللبنانيين.
ثانياً: أي مبادرة تقوم بها الجامعة العربية لن توصل إلى نتيجة، فطبيعة الخلاف في لبنان ليست سياسية، وهناك رئيس جمهورية ومجلس نواب منتخب وحكومة نالت الثقة، والأزمة ليست في فراغ رئاسي أو حكومي أو مطالبة فريق بالمشاركة في السلطة، بل إن الأزمة الإقتصادية تتطلّب القيام بإصلاحات جذرية وهذا الأمر لا تستطيع الجامعة العربية القيام به عوضاً عن اللبنانيين.
ثالثاً: تعتبر السلطة اللبنانية بأكملها في قبضة “حزب الله”، وبالتالي فإن جهة لبنانية واحدة تملك مفتاح الحل والربط، بينما بعد إغتيال الحريري، كانت البلاد تطالب بالرعاية والمظلة العربيتين، بينما اليوم فإن ايران تتحكّم باللعبة ويتوجب عليها إيجاد الحلول.
رابعاً: إختلف الوضع العربي بين الأمس واليوم، فحالياً كل الدول العربية مشغولة بأزماتها، والخليج غاضب على السلطة التابعة لـ”حزب الله”، كما أن مشكلات مصر كثيرة من داخلية وخارجية، وبالتالي الأولوية هي لحل المشكلات الداخلية إذ إن الجامعة العربية لا يمكنها التحرك من دون مبادرة الدول العربية الكبرى ورعايتها.
وأمام كل ما يحصل، يبقى السبب الإضافي أن الأميركيين لا يريدون ان يعوّموا سلطة لبنانية تابعة لـ”حزب الله” وتلقائياً لإيران، لذلك لا يوجد حلّ للأزمة اللبنانية ذات الوجه الإقتصادي.
من هنا، فان كل الدول مجمعة على أن لا حل للأزمة اللبنانية من دون التوجه لصندوق النقد الدولي، وهذا الصندوق ليس في يد العرب بل إن القرار الأساسي فيه للدول الاكثر مساهمةً وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، لذلك يبقى أي تحرك عربي من دون أي منفعة فعلية.
لكن كل هذه العوامل لا تمنع قيام الجامعة العربية بتحرّك محدود لحث اللبنانيين على البدء بإصلاحات مثلما تفعل بقية الدول، لكن الحل مرتبط بالدرجة الاولى بالسلطة لتباشر بالإصلاحات وخارجياً بالموقف الأميركي، لذلك فان أي مبادرة سواء كانت فرنسية أو غربية أو عربية مصيرها النعي قبل نضوج الحلول السياسية والإقتصادية.