كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”: الغليان الداخلي الذي يشهده لبنان اليوم، لا يشبه أي مراحل سابقة، بكل المآسي التي عرفها اللبنانيون. لا الحرب بمدافعها ومعاركها الطائفية والمذهبية وجرائهما الإنسانية، ولا السلم المتقطع الذي أنتجه اتفاق الطائف، أو مرحلة ما بعد 2005. لكن من رافق المرحلة التي سبقت حرب 1975، يستذكر تصاعد التوترات الداخلية وتزايد عوامل الاحتقان على كل المستويات لتصل الى مرحلة الصدام.
شيء ما من ذلك الزمن، رغم ما كان يتمتع به لبنان من أرضية أساسية مزدهرة في الخدمات والاقتصاد قياساً الى الوقت الراهن، ينعكس واقعاً مماثلاً يؤدي الى الانفجار، ليس بمعنى الحرب العسكرية، بل بمعنى الانهيار الداخلي للسلطة والنظام والبلد كله. كل ذلك فيما يكثر تصاعدياً الكلام الغربي عن أن النظام اللبناني يعيش مراحل حاسمة في النظرة الى هويته، بعد مرحلتي 1975 حتى الطائف، ومن الطائف الى الوقت الراهن. أسئلة مقلقة حول النظام الذي يسعى كل طرف في أوقات متفاوتة الى تقديم طروحات سياسية، بعضها من قلب الطائف والنظام الحالي وبعضها من خارجه كلياً، لأن اشتداد الازمات على هذا النحو غير المسبوق لا يوصل إلا إلى إعادة إنتاج حلول وتسويات تمس صلب النظام. وقد تكون هنا خلفيات بعض الطروحات الأخيرة التي تسبق عادة أي مقاربة جدية لهوية هذا النظام، عند ساعة الاستحقاق.
في حياة اللبنانيين في السنوات أو حتى الأشهر القليلة التي سبقت أحداث نيسان 1975، كانت الاحوال أقرب الى الازدهار، مصارف محدودة وليرة ثابتة، ومحروقات عبر أنابيب نفط وبنزين ومازوت بأسعار بخسة، وحتى عروض للتنقيب عن النفط في المياه اللبنانية، طبابة واستشفاء، بنى تحتية، طرقات وكهرباء. في الشكل، وحتى في بعض ملامح الحياة اليومية، لا شي يشبه لبنان اليوم، سينما وندوات ومعارض ومسارح، فيروز في ميس الريم، صباح، وأنطوان كرباج وشوشو واستعراضات غربية. لكن أسباب الانفجار الاجتماعي، ومن ثم السياسي، كانت حاضرة ليس من صيدا وتظاهرة الصيادين فحسب، بل في تفاصيل الحياة اليومية أيضاً. واستعادة عناوين صحف تلك المرحلة تنبئ بالاحتقان السياسي والشعبي والاجتماعي. غليان سبق اغتيال معروف سعد، ملامح الأزمة الحكومية، ومطالب باستقالة الرئيس رشيد الصلح بخلفية التمثيل السنّي الصحيح، الكلام عن الموازنة، عن الانقسام السياسي والعامل الفلسطيني ومواجهة اليمين واليسار، عوامل الاحتقان الشعبي والمطالبات الاجتماعية وتظاهرات عمالية وإضراب المعلمين، وصولاً الى أحداث نيسان. غليان لم يستطع كبار السياسيين في لبنان وأعتقهم خبرة، أن يلجموه، ومعهم دول عربية فاعلة، يوم كان المحيط العربي لا يزال خارج مواجهات دينية وسياسية، فانفجرت الحرب بكل مآسيها.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.