كتبت هديل فرفور في “الأخبار”: تنتهي اليوم المرحلة الأولى من الإقفال (غير) التام الذي تشهده البلاد منذ الخميس الفائت على خلفية الارتفاع الكبير في عدد الإصابات بفيروس كورونا، لتجمّد غداً وبعد غد قبل أن تُستأنف الخميس المُقبل. تقييم هذه المرحلة سيُترجم في عدّاد الوباء خلال الايام المُقبلة، فيما لا تُنذر الفوضى الحاصلة في إدارة الأزمة إلا بمزيد من الانزلاق نحو التفشّي الوبائي الذي لن يتحمّل مسؤوليته المُقيمون والمغتربون فقط، إذ ستكون المسؤولية الأساسية ملقاة على عاتق وزارة الصحة، ومن خلفها الحكومة
سبعة استثناءات وقّعها وزير الصحة العامة حمد حسن تسمح بإقامة حفلات زفاف خلال فترة “الإقفال التام” نهاية الأسبوع المنصرم، على خلفية الارتفاع الكبير في أعداد الإصابات بفيروس كورونا. وهي استثناءات تُفرّغ مبدأ الإقفال من جوهره، وتُناقض تصريحات حسن الداعية إلى “الحكمة” و”التعاون” لمنع الانزلاق نحو التفشّي الوبائي. ولئن كانت حجة الوزير تستند إلى أن القيّمين على هذه الحفلات سيلتزمون بالإجراءات الوقائية، إلّا أنّ أضعف الإيمان هو أن تكون هذه الخطوة مُنسّقة مع وزارة الداخلية والبلديات التي وجدت في الاستثناءات انتهاكاً لصلاحياتها المُتفق عليها، إذ صدر عن الوزير محمد فهمي بيان شدّد فيه على منع إقامة أي نوع من الحفلات والسهرات، بما فيها الزفاف، لافتاً إلى أن أي إذن “من أي جهة أو سلطة أتى، ممنوع إطلاقاً”.
السجال بين الوزارتين يتخطّى مسألة “لصراع” على الصلاحيات ليعكس حجم الفوضى التي تحكم آلية إدارة الأزمة الصحية التي تتفاقم يوماً بعد يوم مع استمرار تسجيل المئات من الإصابات يومياً، إذ سُجّلت أمس 155 إصابة (145 مُقيماً و10 وافدين) ليرتفع عدد المُصابين الحاليين إلى 3028، فيما وصل عدد حالات الاستشفاء إلى 110 (34 منهم حالتهم حرجة).
أمّا المثال الأبرز على الفوضى فيتجسّد في تجميد مهلة الإقفال التي تنتهي اليوم لمدة يومين (الثلاثاء والأربعاء) لتُستأنف الخميس المُقبل حتى العاشر من الشهر الجاري، إذ لا تزال “الحكمة” من إعطاء هذه “الفرصة” بين الإقفالين غير مفهومة. وفيما كان مُنتظراً أن تكون فترة الإقفال وسيلةً لفرملة الإصابات ومنع الاختلاط تجنباً للمزيد من الانتشار الوبائي، بدا جلياً منسوب التفلّت من إجراءات الإقفال في عدد كبير من المناطق، وبدا أن المقيمين اغتنموا “الإقفال” للقيام بأنشطة ترفيهية، إذ إنه كان من الصعب جداً خلال عطلة عيد الأضحى الحصول على غرفة أو شاليه في أي من المنتجعات البحرية والجبلية وغيرها، كما أن حركة السير في مختلف المناطق كانت طبيعية، ما يطرح تساؤلات حول آلية الرقابة الواجب اتباعها سعياً إلى تحقيق الهدف المرجو من الإقفال، علماً بأن التشدد في التزام الإجراءات في المرحلة الراهنة وفي المراحل المُقبلة، يُعدّ مهماً، لا بل أساسياً، لجهة تكريس «نمط حياة» جديد للمُقيمين، في ظلّ الوباء الذي ستكون فترة إقامته طويلة، على ما أكدت منظمة الصحة العالمية أمس.
الفوضى تنسحب أيضاً على غياب التنسيق والتعاون بين المُستشفيات، وهو ما لمّح اليه أمس المدير العام لمُستشفى رفيق الحريري الحكومي فراس الأبيض، لافتاً إلى أهمية توزيع المسؤوليات بناءً على دراسة للاحتياجات بطريقة شفافة وعادلة «وإلا دفع المريض الثمن». كلام الأبيض جاء في معرض كشفه عن إقدام مُستشفيات مرموقة على “التخلّص” من مرضى الفشل الكلوي ممّن كانوا يخضعون لغسل الكلى في مراكزها وأُصيبوا بفيروس كورونا، والعمل على نقلهم إلى مُستشفى رفيق الحريري الحكومي الذي يستقبل وحده أكثر من خمسين في المئة من المُصابين الذين تستدعي حالاتهم الاستشفاء. ولفت الأبيض في تغريدة له إلى أن المُستشفى استقبل مرضى يعانون من فشل كلوي مُصابين بكورونا ويحتاجون إلى غسل كلى “وغالبيتهم احتاجوا إلى العناية المركزة، وقد توفي بعضهم لاحقاً”، مُشيراً إلى أنه “بعد خمسة أشهر من ظهور الوباء، لم يقم بعض المرافق الصحية المرموقة حتى الآن بالإعداد لاحتمال أن يتعرّض مرضى غسل الكلى المتابعون لديه لعدوى كورونا، ولم يُجهّز أقساماً مخصّصة لهم لإجراء جلسات غسل من دون تعريض المرضى الآخرين للعدوى». هذا الكلام ينسجم والمعطيات التي لا تزال تُفيد بغياب الجاهزية الكاملة التي يتطلبها الواقع الوبائي المُستجد للمُستشفيات الخاصة والحكومية، فيما لا تزال آلية إدارة مراكز الحجر غير واضحة، ولا يزال واقع المُستلزمات الطبية على حاله المأزوم.
ومع ترهّل الدولة وغياب الخطط الاستراتيجية الوطنية لإدارة الأزمة، رُمي الحمل على البلديات والسلطات المحلية التي تولت مهام الدولة بشأن التشديد على إجراءات التباعد والوقاية والسعي إلى «خلق» مراكز للحجر وغيرها من الإجراءات المطلوبة. وصحيح أن هذا الواقع سببه استشعار البلديات تفاقم خطر الفيروس، ما حتّم عليها تشديد الإجراءات، إلا أنه سمح في الوقت نفسه بغض النظر عن كثير من التفلت على طريقة إدارة الأزمة “أهلياً” و”حُبّياً“.