نزلت إستقالة ناصيف حتي بردا وسلاما على كثير من اللبنانيين الذين كانوا يتطلعون بشغف الى وزير واحد يخرج من دائرة “إنجازات وإصلاحات حسان دياب وحكومته”، ويسمي الأشياء بأسمائها، فكان قراره وبيانه محط إحترام الأكثرية الساحقة وصولا الى إشادة فرنسية، ورضى من الأمم المتحدة التي إعتبر ممثلها كوبيتش أنها “رسالة يأمل من خلالها وضع لبنان على خطة الاصلاح”، كما كان قرار الاستقالة بحد ذاته تعبيرا عن فشل الحكومة، وقد حشر رئيسها في “بيت اليك”، عندما شهد شاهد من أهله.
ربما للمرة الأولى في تاريخ لبنان يكون لإستقالة وزير كل هذه الأسباب الجوهرية، حيث جاءت في مرحلة مفصلية، ولم تكن بعيدة عن قرار المحكمة الدولية الذي سيصدر في السابع من آب الجاري وتداعياته على لبنان ودور وزارة الخارجية في تنفيذ بعض الالتزامات التي قد يطلبها المجتمع الدولي، فضلا عن إرتباطها بالتجديد لقوات اليونيفل، إضافة الى الاعتراض العلني للوزير حتي على تعاطي الدولة اللبنانية مع زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، وكلام رئيس الحكومة عنه وتأثير ذلك على العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية، فضلا عن إعتراض حتي على مصادرة دوره ضمن حكومة تتحكم بها الفوضى ويتصارع فيها الوزراء على الصلاحيات، وعلى تدخل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في عمله، وإقتناعه بعدم قدرتها على محاكاة تطلعات اللبنانيين وعلى تقديم الانجازات المطلوبة، وبأنها لا تعمل عند رب عمل واحد بل تعمل عند أرباب عمل كثر ما يجعلها في حالة من التخبط الدائم.
كل هذه الأسباب تشير بوضوح الى أن الوزير حتي المشهود له بالمناقبية والباع الطويل في الدبلوماسية، قد وصل مع الحكومة الى طريق مسدود، فكان منسجما مع نفسه وقدم إستقالته لكي لا يسجل على تاريخه أنه شارك في حكومة عاجزة لم تستطع إنقاذ لبنان.
أما الملاحظات التي يمكن أن تسجل بعد الاستقالة فهي تتلخص بما يلي:
أولا: الخوف من أن تغري إستقالة الوزير حتي بعض الوزراء المعترضين على آداء الحكومة، ما دفع رئيسيّ الجمهورية والحكومة الى إعلان ما يشبه حالة طوارئ إستمرت لساعات جرى خلالها إصدار مرسوم قبول الاستقالة، ومرسوم تعيين وزير بديل هو السفير شربل وهبة.
ثانيا: التأكيد على حكومة المستشارين بتعيين مستشار جديد وزيرا للخارجية.
ثالثا: إصرار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على قطع طريق وزارة الخارجية على الوزير دميانوس قطار الذي يحق له أن يتسلم هذه الحقيبة كوزير رديف بحسب مرسوم تكليف الوزراء بمهام وزارات أخرى في حال غياب أو إستقالة من يشغلها.
رابعا: تلقي حسان دياب صفعة جديدة بعدم تسليم حقيبة وزارة الخارجية لصديقه ومستشاره الوزير دميانوس قطار، ما ينم عن ضعف كبير في موقع الرئاسة الثالثة.
خامسا: تسليم وزارة الخارجية الى شخصية محسوبة على رئيس الجمهورية وعلى التيار الوطني الحر بشكل كامل.
تقول مصادر سياسية مواكبة: “إن الحكومة إهتزت وتصدّعت ولم تقع، لكن إستقالة الوزير ناصيف حتي قد تفتح شهية بعض الوزراء على القيام بهذه الخطوة، خصوصا أن عددا منهم أسروا لمقربين بأنهم غير قادرين على الاستمرار في هذه الحكومة، فهل تكون إستقالة حتي أول مسمار في نعشها؟..”.