تدمير المرفأ.. الغموض والخسائر الاستراتيجية

الكارثة هي في تعطيل المرفأ مدة طويلة جداً

5 أغسطس 2020
تدمير المرفأ.. الغموض والخسائر الاستراتيجية
منير الربيع
منير الربيع

يميل اللبنانيون إلى نظرية أن غموضاً كبيراً سيبقى يلف ما جرى في مرفأ بيروت. تضارب في المعطيات والتصريحات. هل هو استهداف مقصود؟ قصف أم تخريب أو حريق مفتعل على غرار الحرائق التي حصلت في إيران قبل مدة؟ لا شيء يدل على ذلك على نحو جازم. والرواية الرسمية: حادث عرضي.

الغموض العظيم

أمور كثيرة ستبقى طي الكتمان. ربما كما حصل في مزارع شبعا قبل أكثر من أسبوع. وعلى غرار الحرائق التي تحصل في موانئ ومواقع حيوية واستراتيجية في إيران. الأجواء اللبنانية مستباحة من الطائرات الإسرائيلية. وكلام كثير عن خروقات جدار الصوت بالتزامن مع الكارثة التي حلّت بالمرفأ. مواطنون قالوا أنهم شاهدوا الطائرات وسمعوا أصواتها، والدوي الذي يعقب خرق جدار الصوت. لا أحد يمتلك المعطى الدقيق. لكن حتماً هناك أمر غير طبيعي قد حصل.

رواية ثانية تشير إلى أن ما جرى هو حريق اندلع في أحد عنابر المرفأ، وامتد وتوسع إلى حيث تُخزن مواد متفجرة منذ سنوات. وغير معروف لماذا تبقى هذه المواد المتفجرة والخطرة في هذا المكان الحيوي؟
قد تكون كل نظريات التخريب أو القصف غير صحيحة، لكن السؤال الأهم: هل الحريق الذي حصل مفتعل، وهو ما أدى إلى الإنفجار؟ لا أحد يمتلك المعطى الدقيق.

وضوح الخسائر المدمرة
ما جرى لن تكون له انعكاسات أمنية أو عسكرية فحسب، ولا يحصى بالخسائر البشرية الفادحة التي أحدثها، إنما حسابات خسائره استراتيجية: تعطيل المرفأ مدة طويلة جداً، ولن يكون قادراً على استقبال البواخر وتفريغها، ولا البواخر قادرة على الإبحار منه. إهراءات القمح دمرت، وأضرار هائلة بالكثير من المرافق والعنابر داخل المرفأ.

هل مصادفة أن يحصل هذا الحادث الخطير والمدمر، والذي أحال بيروت مدينة منكوبة، في ظل أسوأ وضع اقتصادي واجتماعي ومالي يعيشه لبنان؟

الخسائر تقدر بأكثر من مليار دولار، مع فقدان لبنان مخزونه من القمح. سيكون لبنان بحاجة إلى مساعدات عاجلة وهائلة لمواجهة الجوع، ومواجهة تداعيات تفجير المرفأ.

هل هذا كله مقصود؟ ويهدف إلى إضفاء المزيد من النكبات على الأزمات، إمعاناً في تجويع اللبنانيين؟ ام أنه سيشكل نافذة للسماح للدول إلى إرسال المساعدات الطبية والغذائية وغيرها؟ لا سيما في ظل المواقف العربية والدولية التي أبدت الاستعداد لتقديم المساعدة للبنانيين.

المواد المتفجرة وإسرائيل
الأكيد أن هناك مواد متفجرة في العنبر رقم 12. وهناك تنافس كبير بين الأجهزة الأمنية للتحقيق في أسباب وجود هذه المواد في المرفأ. ولكن هل كانت المعلومة لدى أحد الأطراف المعادية، وافتعل الحريق بطريقة ما لحصول هذا الانفجار الهائل؟ هذا أمر وارد. وهل هناك خطأ تقني تسبب بما جرى؟ فرضية مطروحة، ولكنها تبقى ضعيفة في ظل السياق التصعيدي للضغوط التي يعيشها لبنان منذ أشهر.

ولكن بالتزامن مع الانفجار، أو الحريق الذي أدى إلى انفجار، كانت طائرات إسرائيلية تجوب في الأجواء اللبنانية، وقد يكون هناك رابط بين الأمرين. إنه مجرد تساؤل ليس إلا.. طالما أن المعطيات حتى الآن تقول أن حريقاً وحسب هو الذي تسبب بالكارثة.

على أي حال، إنها نكبة تضاف على النكبات. وتأتي بعد عاصفة من التهديدات الإسرائيلية باستعدادها لضرب أهداف حيوية في لبنان يستخدمها حزب الله لتهريب الأسلحة. ويأتي ذلك بعد اتساع رقعة الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا، وداخل الأراضي الإيرانية، إضافة إلى استهداف خلية لحزب الله في مزارع شبعا، بحسب الزعم الإسرائيلي. وقبل ذلك رسالة خطيرة جداً بالاعتداء على الطائرة الإيرانية في الأجواء السورية والمتجهة إلى مطار رفيق الحريري.
هذا كله، يتيح لنا “التخمين” لا الجزم. ولا بد أن نترك مجالاً للقدر السيء.

هذا كله لا بد أن يكون حاضراً في المشهد المهول الذي عاشه لبنان. هل هو رسالة – بعد استهداف الممرات البرية التي يدخل منها حزب الله الأسلحة إلى لبنان، وبعد الاعتداء على الطائرة الإيرانية في الأجواء السورية، مع ما يعنيه ذلك من رسالة حول الخطّ الجوي السلس بين طهران وبيروت – يراد منها الوصول إلى الخطّ البحري، أو استهداف المرفأ الذي لطالما تحدث الإسرائيليون عن أن حزب الله يستخدمه لتهريب الأسلحة مثل المطار؟

فصل في المأساة
سارع الإسرائيليون إلى نفي أي علاقة لهم بما جرى. ولكن هناك أحداث كثيرة نفى الإسرائيلي علاقته بها، وفيما بعد تبين أنه فعلها. التحليلات كثيرة، حول ما إذا كان النفي الإسرائيلي السريع يهدف إلى عدم حصول أي رد من حزب الله.
ما نطرحه هنا تساؤلات لا نريد تبنيها ولا الاستعجال بإبرازها، أو حتى حذفها.
الحقيقة الوحيدة المتوفرة هي أن كمية ضخمة من المواد الشديدة الانفجار كانت مخزنة في مرفأ بيروت. هذا ما يحتاج إلى تفسير والكثير من التساؤال. ومنه نمسك خيط الحقيقة.

وقبل كل شيء، المأساة لن تكون محصورة بالإنفجار، ولا بالخسائره البشرية في وقت حصوله. فآثاره ستكون مديدة جداً، وحجم الخسائر سيظهر في الأيام المقبلة. وسيكشف المزيد من العجز الذي يصيب اللبنانيين.