صرخة احتجاج وألم يطلقها افراد الجيش الأبيض الذين سقطت منهم الممرضة زينب حيدر شهيدة الواجب، في وجه الظلم الذي يطالهم. المطلب واحد: “حقنا ناخد حقوقنا”. حقوقهم التي باتت اليوم رهينة أوضاع اقتصادية ومالية وقانونية متشابكة، ضائعة ما بين إدارات المستشفيات وبين وزارتي العمل والصحة.
صرخة التمريض هذه تأتي نتيجة تراكمات كثيرة مجحفة وظالمة أصابت المهنة على مدى العامين الماضيين، وأبرز تجلياتها ما حصل من صرف جماعي لموظفين من مستشفى الجامعة الأميركية بينهم 150 ممرضاً تم الاستغناء عن خدماتهم، في وقت تحيي بلدان العالم بأجمعه جهود ملائكة الرحمة في مواجهة جائحة كورونا. وتنسحب المعاناة الى ممرضي وممرضات مستشفى رفيق الحريري وغيره وغيرهما وغيرها…
نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان ميرنا ضومط تسهب في التحدث عن واقع هذا القطاع وهمومه فتقول: “منذ اندلاع أحداث تشرين الماضي، وما رافقها من إقفال أدى الى صعوبات مادية، اتخذ بعض المستشفيات منها حجة لصرف ممرضين او إعطائهم إجازات غير مدفوعة او عمد الى إجراء حسومات من رواتبهم زادت عن خمسين في المئة، وصولاً الى التمنع عن دفع الرواتب لأكثر من شهرين. ومع اشتداد الأزمة المالية ونقص الدولار ازدادت الأوضاع سوءاً، إلى أن وصلنا الى جائحة كوفيد-19، هنا بات الوضع أصعب بكثير وتم تكبيد الممرضات اللواتي وقفنَ في الصفوف الأمامية الثمن مادياً ومعنوياً، حيث إذا أصيبت إحداهن بالفيروس يتم إيقافها عن العمل ومنحها إجازة غير مدفوعة فتكون فترة الحجر المفروضة عليها، على نقيض التعميم رقم 20/1 تاريخ 20 آذار 2020 على حسابها الخاص.
تُرك العاملون في القطاع التمريضي في مواجهة مخاطر صحية كثيرة، خصوصاً أن المستشفيات لم تزودهم بالوقاية الضروية لحماية أنفسهم من الفيروس فلم يعطهم بعضها أكثر من ماسك واحد كل 12 ساعة، وهذا ما يشكل خطراً عليهم وعلى المرضى على حد سواء، أما الحجة في ذلك فهي ان التجهيزات تخصص بمعظمها للعاملين في أقسام الكورونا. وتبين لاحقاً ان معظم من اصيبوا بالفيروس من الجهاز التمريضي اصيبوا في الوحدات الأخرى التي تستقبل مرضى عاديين، بسبب تماسّهم المباشر مع الأهالي والزوار”.
تتابع النقيبة: “من لم يصرف من عمله تعسفاً ولم تنتهك حقوقه المادية فإنه يعيش تحت عبء الخوف على مستقبل أصبح غير مضمون، لا سيما أن بعض المستشفيات قد جعل ممرضيها يوقعون مرغمين على استقالات مفتوحة، وهذا أمر مناف لكل القوانين. كما يتحجج البعض بنقص أعداد الممرضين لتشغيل اشخاص من غير اللبنانيين أقل كلفة بالنسبة إليهم، رغم أن القانون اللبناني يمنع على غير اللبنانيين – باستثناء الفلسطينيين- العمل في القطاع التمريضي ويعمدون الى استبدال ذوي الخبرة بآخرين جدد اقل كلفة على إدارات المستشفيات، التي يمكن ان تضع عليهم شروطاً قد لا يرضى بها السابقون”، تضيف ضومط: “بعيداً من أزمة المستشفيات ثمة أزمة أخرى تطرق باب الممرضين ناجمة عن استبعاد المدارس للممرضات العاملات فيها، نظراً لاعتماد آلية التدريس أونلاين وعدم وجود طلاب في حرم المدرسة وبالتالي انتفاء الحاجة الى ممرضة، علماً أن التلاميذ يتعرضون لصعوبات نفسية وحتى صحية نتيجة هذا النوع من التعليم تستدعي تدخل الممرضة”.
مصير التمريض في لبنان مهدد إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، والسؤال هل المشكلة مع اصحاب وإدارات المستشفيات أم مع الحكومة والوزارات المعنية؟
“إنها حلقة مفرغة”، على ما قالت نقيبة الممرضين، وأضافت: “يجب السعي الى خرقها في مكان ما، فالحكومة لم تسدد المستحقات المتوجبة عليها للمستشفيات العامة والخاصة، بما فيها المستحقات المتوجبة على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصناديق الصحية العسكرية، ولم تعد المستشفيات قادرة على استقبال حالات كثيرة نظراً لتوقف شركات التأمين والجهات الضامنة عن الدفع وهذا بالطبع يؤدي الى صعوبات مالية عند المستشفيات”. النقيبة تتحسس طبعاً هذه المشكلة لكنها تؤكد “عدم جواز أن تكون الهيئات التمريضية ضحية هذا الوضع، فالمستشفيات القادرة على شراء المستلزمات الطبية بالدولار لا شك قادرة على توفير رواتب طواقمها التمريضية بالليرة اللبنانية، خصوصاً أن هذه الرواتب ليست مرتفعة او تعجيزية، ولا يمكن أن تكون المستشفيات التي كانت تتغنى العام الماضي بتحديث منشآتها ومعداتها قد وصلت في عام واحد الى وضع لا تعود قادرة فيه على تأمين رواتب ممرضيها. صحيح أن الحكومة قد دفعت للمستشفيات بعضاً من مستحقاتها لكن المبالغ غير كافية ولا بد أن تكون هناك آلية واضحة للتسديد على أن تتضمن بنداً صريحاً بإعادة كل الممرضين المصروفين وتأمين رواتبهم”.