أهالي بيروت ينامون في العراء

7 أغسطس 2020
أهالي بيروت ينامون في العراء
عماد الشدياق

يحتار أهالي العاصمة بيروت من أين يتلقون الصدمات، أمِن أزمة اقتصادية أم من جائحة كورونا أم من أزمة نفايات أو من تفجير المرفأ؟ كيفما تلتفت في شوارع العاصمة لا ترى إلا بقايا زجاج متناثر.

تحت الأبنية وعلى الشرفات والأرصفة والطرقات. محال ومطاعم ومصارف كثيرة في كل أنحاء عاصمة قضت يومين متتاليين بلا واجهات ولا أبواب، وكانت بيوت أهلها عرضة للسرقة.

إلاّ أن السارقين هم أنفسهم لم يصحوا بعد من هول الصدمة وانصرفوا عن مهنتهم.

يومان كاملان ولم ينته جمع الزجاج والأنقاض من منازل والمحلات التجارية. أكثر المناطق تضرراً كانت محيط المرفأ والجميزة والكارنتينا وكذلك وسط بيروت والأشرفية، حيث تخطّت الأضرار ألواح الزجاج والأبواب الجرارة والحديدية والخشبية والأثاث إلى حدود تدمير مبانٍ قديمة وتراثية وانهيار شرفات وأسطح قرميدية بالكامل، ليكاد المعاين للمشهد يظن أنّ اعصاراً أو قنبلة ذرية ضربت مناطق العاصمة هناك.


حتى مبنى شركة MTC touch للاتصالات الذي دفعت ثمنه الحكومة 75 مليون دولار، هو الآخر لم يسلم من الضرر


وجود منطقة الأشرفية على تلة في منتصف المدينة حمى مناطق بيروتية أخرى من الضرر، مثل فرن الشباك والمتحف والسوديكو وعين الرمانة، حيث اقتصرت الأضرار على بعض ألواح الزجاج والواجهات التي غصّت مستوعبات النفايات والحاويات في زوايا العاصمة من بقاياها، بسبب أزمة أخرى تخص رفع النفايات بعد أن ضرب فيروس كورونا العاملين في الشركة المولجة برفعها.

وجود منطقة الأشرفية على تلة في منتصف المدينة حمى مناطق بيروتية أخرى من الضرر، مثل فرن الشباك والمتحف والسوديكو وعين الرمانة، حيث اقتصرت الأضرار على بعض ألواح الزجاج والواجهات التي غصّت مستوعبات النفايات والحاويات في زوايا العاصمة من بقاياها، بسبب أزمة أخرى تخص رفع النفايات بعد أن ضرب فيروس كورونا العاملين في الشركة المولجة برفعها.

معالم بيروتية عريقة مثل السراي الحكومي، ومجلس النواب، ومتحف بيروت، وقصر سرسق في الأشرفية، وقصر بسترس مقر وزارة الخارجية، ومستشفى المقاصد في الطريق الجديدة وغيرها تعرّضت للضرر، حتى مبنى شركة MTC touch للاتصالات الذي دفعت ثمنه الحكومة 75 مليون دولار، هو الآخر لم يسلم من الضرر. واجهاته الزجاجية في أسفل المبنى تهشّمت وعم الخراب في طوابقه العليا، حيث الستائر البيضاء قد تمزقت ونوافذه المعدنية العصرية تخلّعت.

أما الكارثة الكبرى، ففي مبنى الدوائر العقارية العائدة لوزارة المالية مقابل مبنى touch. الواجهة الزجاجية للطوابق العشرة باتت في الأرض فيما ملفات ملكيات الناس، أضحت عرضة للضرر أو للتخريب، وغير معروف متى ستسلك أعمال الصيانة طريقها في ظل الاجراءات البيروقراطية البطيئة في الدولة.  

أما المواطنين في المناطق المطلة على المرفأ، فتدمّرت منازلها وناموا في العراء، وكل ذلك بلا سبب وجيه. لا أحد منهم يعرف ماذا اقترف ليكون هذا عقابه؟


مشهد قاسٍ وغير اعتيادي، ولم نشهده في أشد أيام الحرب الأهلية، أن تكون بيروت التي تأوي الجميع منكوبة وينام أهلها وساكنيها في العراء


يقول مازن، ابن بيروت الذي يسكن في منطقة برج أبي حيدر – سليم سلام (أبراج بيروت): “في المجمّع الذي أقطنه وفيه نحو 157 شقة سكنية، كل الأهالي انكبوا في اليومين الماضيين على رفع الركام والزجاج من المدخل المرآب ومن على الشرفات والنوافذ”، ويضيف “جيرانه ينتابهم القلق ويركبهم الهمّ. هم متخوّفون من أسعار الزجاج والألمنيوم المرتفعة”. يروي لنا أنه تواصل مع الشركة المتعهدة التي يتعامل معها في العادة فلم تتجاوب معه إلا بعد 3 أيام بسبب كثافة الضغط. أحد أقربائه تمكن من احضار شركة متخصصة بالزجاج فقالت له إن التركيب قد يستغرق نحو أسبوع لكن السعر لم يكن منطقياً.

637323517831453099IMG 20200805 190406

أما جهاد الذي يملك مكتباً للدراسات التكنولوجية في وسط بيروت، فيقول: “سمعنا انفجاراً صغيراً في البداية، فعرفنا من الخبرة التي كوّناها خلال الحرب اللبنانية أنّ هذا صوت انفجار. قلت في نفسي الله يقدر ويلطف، لكن بعد دقائق قليلة جداً شعرت بعصفٍ غير طبيعي. كل الأثاث في المكتب طار وطرت أنا عن الكرسي الذي أجلس عليه وانهارت الخزائن فوقي. اعصار اجتاح المكتب من خلال الشبابيك واستمر عصفه لنحو 30 ثانية. كان الدخان يغمر المنطقة كلها، تهشّمت النوافذ وخرج الناس الملطخين بالدماء إلى الطرقات يصرخون ويتفقدون بعضهم”، يضيف جهاد: “الخسائر في مكتبي بين أثاث وزجاج ومعدات تقارب الـ20 ألف دولار، ولا أعرف متى سأبدأ بإجراءات الترميم والتصليح، فالأوضاع الاقتصادية لا تسمح الآن”.

أحد العاملين في قسم الصيانة في مستشفى المقاصد، وهو المستشفى الوحيد المتبقي في منطقة المزرعة والطريق الجديدة، يروي لـ”أساس” قائلاً: “الزجاج كله تحطم في أغلب طوابق المستشفى. غرفة العمليات تعطلت لمدة وجيزة من الوقت بسبب انهيار السقف المستعار. بعض الممرضين تعرضوا لجروح ورضوض بسبب انهيار الزجاج والسقوف. حتى المدخل الرئيسي والمختبر المطل على الشارع الرئيسي لم يسلما من الضرر”، ويضيف “معهد التمريض الملاصق للمستشفى لم يبقَ منه واجهة زجاجية واحدة، والأضرار كلها تكلّف مئات آلاف الدولارات”.

أما أبو بلال الذي يملك محلاً لبيع معدات التنجيد والاسفنج في منطقة الطريق الجديدة التي تبعد 10 كلم عن مكان المرفأ في أقل تقدير، فيقول إنّ “الأضرار لدي في المحل اقتصرت على بعض الماديات الطفيفة. نجونا لأنني كنت أغلق الباب الحديد المصفح بالباطون الذي حمى الواجهات، لكن الزجاج كله في المنطقة تكسّر، والناس تنام في العراء. لم تكفِنا أزمة الكهرباء التي تمنعنا من تشغيل التكييف، اليوم بات أهل بيروت عاجزين عن تشغيله بوجود الكهرباء وبغيابها لأنّ تشغيله سيكون بلا طائل طالما أن الزجاج النوافذ والأبواب محطم، فيما الكل متريث ولا يقوم بالتصليحات بسبب ارتفاع سعر المواد الأولية من خشبيات وزجاج على سعر صرف الدولار”.

تقول الحكومة إنّها ستضع آلية خاصة لاستيراد الزجاج والمواد الأولية الخاصة بالترميم والتصليحات، لكن لا أحد يضمن هذا الكلام. فالحكومة في مواضيع أشد أهمية من الزجاج والخشب والحديد، مثل المواد الغذائية والخبز والمحروقات والأدوية، لم تتمكن من ضبط أسعارها أو من توقيف محتكريها… فكيف بالزجاج؟

مشهد قاسٍ وغير اعتيادي، ولم نشهده في أشد أيام الحرب الأهلية، أن تكون بيروت التي تأوي الجميع منكوبة وينام أهلها وساكنيها في العراء.