كارثة المرفأ وبيروت أتاحت فرصة لدول متخاصمة ومتصارعة لدخولها معاً إلى لبنان من بوابة المساعدات. وأتاحت كذلك للعهد والحكومة فرصة التفكير بالنجاة من التلاشي والغرق.
باريس – واشنطن
هناك من يقول إن واشنطن متأكدة من أن الحزب لن يتنازل. وهي ستقول إن الرئيس الفرنسي جرّب مجدداً ولم ينجح، فتستمر بالضغط بعد هذه الأجواء “الإيجابية”.
وينتظر لبنان وصول المزيد من الوفود الدولية والعربية. المعطيات تفيد أن وفداً أميركياً سيأتي (يصل وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل، الأسبوع المقبل، إلى بيروت) معلناً استعداده لتقديم مساعدات للبنانيين، ويطرح مع القوى السياسية الملفات الكبرى العالقة: مخازن السلاح، الصواريخ، نطاق عمل قوات اليونيفيل، ترسيم الحدود، إغلاق المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، وملفات أخرى.
هل حزب الله جاهز للدخول في مفاوضات حول هذه الملفات؟ لا معطيات حتى الآن تفيد بذلك. وهناك من يراهن على مفاوضات سرّية قد تتولاها بعض الدول، للوصول إلى تسوية أولية، تمهّد لتسوية كبرى.
العناوين الدولية الأساسية للضغوط لا تزال في مكانها. وتجنباً لتحمل بعض الدول مسؤولية حجم وهول الكارثة الكبرى، وخصوصاً إسرائيلياً وأميركياً، دفع الأميركيين للقيام بهذه الحركة الكبرى. وهي لا يمكن أن تكون عرضية، خصوصاً بعد إعلان ترامب عن استعداده للمشاركة في مؤتمر مساعدة لبنان، بعد تنسيق مع ماكرون.
المساعدات لن تكون كبيرة كما يحلم اللبنانيون. في المقابل أطلق عون رسائله التي تستجدي الدعم والمساعدة، لا سيما لجهة استعجاله إنهاء ملف الحدود البحرية. وذلك تسليف مسبق للدور الذي قد تقوم به الولايات المتحدة الأميركية.
حكومة جديدة
جانب من التسوية الأولية، تذهب في اتجاه عدم إمكان الاكتفاء بالتضحية ببدري ضاهر.
فهناك قطار دولي انطلق، ولا بد له من دهس كثيرين، وفي رأس القائمة، الحكومة القائمة حالياً، في ظل جهود فرنسية كبرى لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
حكومة تجتمع فيها كل القوى السياسية، وتشرع في البحث سياسياً عن تسوية أكبر، بدءاً في الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وصولاً إلى ملف الحدود والصواريخ، وللتمهيد لاحقاً ربما إلى تعديل دستوري.
ورطة عون
لكن من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان حزب الله مستعداً للتخلي عن هذه الحكومة. وبحال عدم استجابته تقديم تنازلات كبرى وجدية، فإن الحصار سيشتد أكثر عليه، ويجد ميشال عون ومن معه أنهم في ورطة كبرى.
أما في حال وافق الحزب ومن خلفه إيران على التفاوض الجدي، وتقديم تنازلات كبيرة، فحينها يكون الحزب قادراً على تحصيل المكاسب السياسية على حساب الآخرين ولا سيما خصومه. إذا قدم الحزب ما تريده الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً ما يتعلق بأمن إسرائيل وتفكيك الصواريخ، حينها سيعلن انتصاره على اللبنانيين، وسيزهو عون بفك الحصار.
تغيير كبير مقبل
من يقرأ الصحافة الدولية والإسرائيلية تعليقاً على تفجير المرفأ – وعلى الرغم من عدم بروز أي طرف يتبنى ما جرى – يرى أن الجميع يعمل على الاستثمار فيه. أما القراءات الأميركية والإسرائيلية، فتشير إلى أن حزب الله سيتراجع عن مواقفه الهجومية. وهذا تجلى في كلام نصر الله الأخير. فهو لم يوجه أي اتهام أو يطرح فرضية إمكانية تورط الإسرائيليين بما جرى. كما أن ذلك سينعكس على مواقع يخزن فيها الحزب الصواريخ. ويعتبر الإسرائيليون أن حزب الله – بعد الحملة الدولية الكبرى التي قادها نتنياهو حول وجود مخازن صواريخ في الضاحية الجنوبية وبالقرب من المطار – عمل على تفكيكها ونقلها من تلك المواقع. وبعد تفجير المرفأ سيتراجع حزب الله خطوات أخرى إلى الوراء.
لذا سيكون لبنان في أسابيع مفصلية: إما تسوية تمهد لتسوية أكبر، وإما مزيد من الضغوط والحصار والانهيار. في كلا الحالتين، لبنان ذاهب إلى تغيير كبير في بنيته.