عــذرا كارين.. عـذرا زوجتي!

11 أغسطس 2020
عــذرا كارين.. عـذرا زوجتي!

كتب المحامي وهيب ططر تحت عنوان “عــذرا كارين.. عـذرا زوجتي!” في صحيفة “سفير الشمال”: ” قبضوا علينـا، سرقونـا، ثمّ أفلسـونا.. دمـّروا بيوتنا، أخـذوا أرواحنـا، وأرادوا أن يمعنـوا ويستمروا فــ “يبولوا” على رؤوسنـا بكذبهم ودجلهـم، فانتفضنـا بوجههم القبيح وتظاهرنا بتاريخ 8 آب 2020.

صـادف ذلك يوم عيـد ميلاد زوجتي، فبدلا من أن أحتفـل بالعيـد معهـا ومـع الاولاد كمـا يفعـل أي شخص يطلق على نفسـه صفـة “بني آدم”، استجبت لطلبهـا الرامي الى النزول وإيـاهـا الى ساحـة الشهـداء في بيروت بصفتنا “مواطنين” لدينا حقوق وعلينا واجبات تجاه عاصمتنا. رافقتهـا لملاقاة ابنـاء شعبنـا لنصرخ بوجـه محتـلّ المدينة، ولنقول لـه كفى عهـراً، كفى كفراً، كفى خنقاً، كفى هتكاً لأعـراضنـا، نزلنـا لنصيح بوجهه بأعلى صوتنا قائلين: انفجـار “نيتراتك” وحامضك النووي الذي تفوح رائحتـه مـن العنبر رقم 12 المظلم، لم يهدم منزلنا الزوجي الكائن على درج مار نقولا في الجميزة وحسب، بل هدم جدران الوطـن وخلع شبابيكه وجرّده من ستائره الأرجـوانيـة بلـون تلك الصدفة العجيـبة التي بنينـا عليهـا أمجـاد جـدود ركبوا على ظهر طائـر الفينيق ورحلوا مصطحبين معهـم أبجديـة ذاك الطـائـر الأسطوري إلى غير رجعة.

نعـم، لقد هـاجر أبناء حيرام وأحيرام تاركين وراءهم زمرة مجرمة سلّمنـاهـا أمـرنـا وأمر وطـن، فاذا بـها ومـع سبق الاصرار، ترفع عنـه السترة، مشرّعـة عورات شعبه عارضة ايـّاها للفرجــة، في أنحـاء الوطـن المتآكل، حيث أصبح من لم يمت فيـه، متسوّل وشحّاد لا يملك الا صوتـه.

نـزلت وزوجتي الى سـاحة الشهـداء، فوجدتهـا مليئة بالناس، أتـوا من جميع أطراف لبنـان الى حضـن عاصمتهم الثكلى علّهم يضمدوا جـراحهـا بأصواتهم، شعب متمرّد نصب المشانق الافتراضيـة لمـن نصب عليهـم ماضيهم وحاضرهم وطموحهـم، الجميـع تحت تمثـال الحرية كان يعبّـر بالكلام والصراخ، آهـــات تعلو من حناجرهم المذبوحـة ومـن وجع قلـوبهـم، صاحـوا وصحت معهــم “كفى”، بدموع أعيننـا حاولنا غسـل دمـاء “ست الدنيــا” المتناثرة، التي مـا ان بـدأت سماؤهـا تستعيـد لونهـا الازرق التي لوثّها دخـان حريق مرفئهـا الجريح، الا وأن غطتهـا مجددا غيمـة من نوع آخر آتيـة مـن ذات المصدر.

يبـدو أن أحدهـم أرسـل اليه تلك الصورالحميـدة فأزعجه المشهد. انتفض في قعـر قبوه وأعطى الاوامـر باطلاق ما تبقى من مفرقعـاته النارية المحمّلـة بغازات امعـائه السامـّـة على رؤسنـا! أحسست أنني سأختنق، عيناي كادت تحترق بسبب الدخـان الذي ملأ سمـاء الساحـة. بدأ الاولاد والشيوخ والنسوة بالركض في كـل اتجـاه هروبا، أمـا أنا ولسوء حظي ودون أي تفكير، مسكت يـد زوجتي ركضت وايـاهـا تلقائيا باتجـاه “مسجد محمد الامين” عـلّ قبّتـه أو محرابه يقياني من الروائح القاتلـة.

في طريقي، وجدت شبـّان من عمـر أولادي يحتمون بسور “ضريح الرفيق” وقد بدأوا برشق مطلقي القنابل بالحجارة، فحملت حجرا عن الارض ورشقتهم بـه اسوة بالشبان، فصرخت زوجتي “توقف عنّـا أولاد”، فاستفقت وقلت في نفسي ماذا أفعـل؟ أنـا المحامي ابن الخمسين سنة أصطحب زوجتي الدكتورة المحـاضرة في الجامعـة وأرمي الحجـارة!!! “يــــــا حيـــف”! قررت الانسحاب فواجهني رجـل يلبس لباس قوى الامن الداخلي ومعه بندقية وأخذ وضعيـة اطلاق النـار بوجهي، فاحتميت منـه وراء قبر رفيق الحريري، وبدأنا بالانسحاب الى الخلف زحفا، وسمعت زوجتي تصرخ بأعلى صوتهـا من الالم، لم أفهم لماذا، نظرت اليهـا فوجدتهـا غير قـادرة على الركض، سندتهـا ومشيت الى جـانبها الى أن أصبحنـا على درج المسجد وهي تئنّ من الوجع !

هنــاك تفقدت قدمهـا، وكانت الفاجعـة ! “ابـن السافلة” الذي كان يطلق النارعلى الشعب الأعزل، أصاب زوجتي برصاصة مطاطية في قدمهـا! في موقع المعركـة لم أتعـرف على ملامح وجه مطلق النـار، الا أنني أعـرف جيـدا صـورة وجـه معلّمه الاصغر ومرشده الاكبر… الى متى سيبقى محتميا بسلاحـه و”نيتراتـه” ومفرقعـاتـه النـارية؟ هـل يعتقد أن أبراج مدينـة بابل تمكنت من ملامسة جدران السماء؟ أيـن سيذهب؟ لنـا ربّ يعبـد ولقـــاؤنا بـه سيحصـل ولو بعـد حيـن.

ختـامـا، اتـوجـه من زوجتي كاريـن بجزيـل الاعتذار لما أصابهـا، داعيـا الله عـزّ وجـل أن يقيمهـا بالسلامـة”.