سبعة أيام مرّت على «بيروتشيما»، كأنها كل كوابيس العالم استوطنت العاصمة الجميلة التي ملّت الحروب وأطنان التفجيرات والموت الجماعي في الشوارع وعلى الأرصفة وفي البيوت والحوانيت، وملّت القبور المفتوحة والنعوش المرفوعة والعيون المكسورة وحفلات الوداع في جرائم غالباً ما تُسجّل ضد مجهول.
تُدْرِكُ بيروت المفجوعة، المخلوعة الأبواب والنوافذ والطمأنينة، أن لا طائل من التحقيقات المحلية مهما قيل عن أن «ما من خيمة فوق رأس أحد»، وتجاربها دلّت أن غالباً ما تُترك ملفات الجرائم خاوية من أي أوراق في لبنان، الذي يشكّل المرتع الأول في الشرق الاوسط وربما العالم للاغتيالات والجرائم ضد الإنسانية.
ولم تَعْنِ لبيروت شيئاً إحالة الحكومة في جلسة سقوطها بارتدادات «زلزال» 4 أغسطس، ملف تفجير العنبر رقم 12 في المرفأ على المجلس العدلي، الذي تتكدس على طاولته وتحتها عشرات الجرائم، ولم تقلل التقارير الرسمية عن مجريات التحقيق من ارتيابها، خصوصاً في ضوء روايات عن أن ما جرى يتجاوز مسائل إدارية تتصل بالإهمال والتقصير.
في مجريات التحقيق المحلي، ذكرت التقارير أن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات قرر التوسع في التحقيقات مع رؤساء الأجهزة الأمنية الموجودة على أرض المرفأ، والوزراء الذين تَعاقبوا على وزارة الأشغال منذ العام 2014، أي تاريخ إفراغ حمولة باخرة نيترات الأمونيوم، وأنه لن يتراجع أمام الضغوط التي تُمارَس عليه من السلطة، وهو يعتزم استجواب أي شخصيات يحتاج للاستماع إليها.
ولم يكن مفاجئاً ما ذكرته وكالة «رويترز» نقلاً عن مسؤول أمني، رفض الكشف عن اسمه، عن أن الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب تلقيا تحذيراً قبل وقوع كارثة انفجار بيروت بأسبوعين (في 20 يوليو).
وقال المسؤول، الذي شارك في كتابة الرسالة إلى عون ودياب، بحسب «رويترز»: «لقد حذرتهما من أن هذا قد يدمر بيروت إذا انفجرت الـ2750 من نيترات الأمونيوم».
والأكثر إثارة في «خيوط اللعبة» التي تتكشف تباعاً فوق مسرح الجريمة، ما أَفْرج عنه قبطان «سفينة الموت» بوريس بروكوشيف عندما قال «ان رجل أعمال لبنانياً أراد الحصول على الشحنة الناسفة»، موضحاً أنّ رجل الأعمال يملك سفينة، وأراد الاتفاق معه على «عملية سرية» تقتضي «بالادعاء أنّ السفينة غرقت على أن يبيع شحنة نيترات الأمونيوم»، ولافتاً إلى أنّه تمت الموافقة على العملية «إلاّ أنّ الصفقة تعرقلت لعدم الاتفاق بينه وبين مالك السفينة».
وكشف قبطان «روسوس» الروسي، أنه تسلم السفينة من قبطان أوصلها من باتومي إلى مرفأ في تركيا، مشيراً إلى أنّه كان على «علاقة صداقة به لكن اتضح أنه شخص سيئ»، مضيفاً في حديث إلى محطة «LBCI»: «لم يقم أحد بالكشف عن السفينة في مرفأ بيروت ولم أعلم لماذا تخلفت السفينة عن دفع الرسوم في بيروت. لكن أعتقد أن الاموال لم تنفذ، وهذا ليس السبب».
وأضاف: «عندما تأتي سفينة يتم تقديم الوثائق الرسمية الخاصة بها التي تكشف طبيعة الشحنة ونحن قمنا بذلك، وعندما تم حجزها قيل لنا إن من الضروري إزالة المواد من على متنها لكننا بقينا لمراقبة الشحنة وعرفت السلطات بهذا الأمر».
وتابع بروكوشيف: «شاري السفينة هو – شبح – لأن أحداً لم يسأل عن هويته أو مكانه، وإذا كان الشاري قد استغنى عن بضاعة قيمتها ملايين الدولارات فهذا يعني أن وجهة استخدامها لم تكن زراعية».
وتتزايد مع رفْع الركام الهائل وفحص التربة والغوص في الحفرة وتَقَصي أثر موجودات العنبر والمستودعات، الشكوك في الرواية الرسمية التي تعيد الزلزال الرهيب الذي ضرب بيروت وهزّ العالم إلى مجرد «شرقتة نار» ناجمة عن التلحيم، وترسم علامات استفهام حول حقيقة ما جرى في 4 أغسطس المشؤوم.
الروايات المتناقضة تتأرجح فوق مسرح أم الجرائم في مرفأ بيروت
… بعد أسبوعٍ جهنمي على الانفجار الهيروشيمي في ميناء بيروت وعلى حافة بحرها الأبيض، الثلثاء الماضي، ما زالت الروايات تتأرجح فوق مسرحِ «أمّ جرائم العصر وأبوها»، والتي غالباً ما يرتكبها «أشباح» سرعان ما يتوارون في دهاليز صراعات كبرى وصغرى من خلف ظهر الإنسانية التي انفجرت دماً ودموعاً وركاماً وأرواحاً وأحلاماً وأفئدةً في شوارع المدينة الثكلى.