لا تزال التحقيقات مستمرّة في ملف تفجير المرفأ، بإشراف مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، وعدّاد التوقيفات ثابت حتّى الآن على 19 مشتبهاً به.
مروحة استجوابات لم تستثنِ قادة أجهزة أمنية ووزراء أشغال متعاقبين. فيما حدّد عويدات محاور التحقيق بثلاثة: “الأسباب المباشرة وغير المباشرة للتفجير، قضية الباخرة، ومحور المسؤوليات… وقد تتشعّب عن ذلك محاور أخرى”.
بيان مدّعي عام التمييز الصادر قبل أيام، حول مفاصل التحقيق، أظهر أنّ دائرة الاستدعاءات ستكبر عبر “تحديد أصحاب المعرفة والسلطة والأمرة والقدرة على تغيير مجرى الأمور، الأمر الذي يؤدي إلى تحديد المسؤولين عن كل عمل ودرجات مسؤولياتهم وحدودها”.
وفق المعلومات، سيستأنف المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري لاحقاً، بإشراف النيابة العامة التمييزية، الاستماع الى إفادة مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا بعد الجلسة الأولى يوم الاثنين وتركه رهن التحقيق.
وقد باشر أمس الاستماع الى إفادات ضباط من مختلف الرتب في مديرية المخابرات والأمن العام وأمن الدولة من المداومين في المرفأ.
وهذا سيستغرق أياماً قبل بدء القاضي عويدات نهاية هذا الأسبوع، على الأرجح، الاستماع إلى وزراء الاشغال السابقين المتعاقبين منذ العام 2014 وهم: غازي زعيتر، يوسف فنيانوس، وميشال النجار.
قرار الحكومة بإحالة تفجير المرفأ إلى المجلس العدلي وضع حدّاً لكباش صامت حول الجهة التي سينتقل إليها الملف
هنا يأخذ متابعون على القاضي عويدات “علاقته الوثيقة جداً بالوزيرين زعيتر وفنيانوس”، مع استبعاد أن يقود مثول الوزراء الثلاثة أمامه إلى أي إجراء قضائي بحقّهم، ما دامت مسؤوليتهم المباشرة غير متوفرّة.
وبعد إعلان فرنسا عبر المدعي العام في باريس مشاركتها بالتحقيق في تفجير المرفأ من خلال 46 رجل شرطة ودرك، قدّموا الدعم الفني للتحقيق القضائي، يُنتظر أن يتسلّم مدعي عام التمييز تقريراً من الجهة الفرنسية يتعلّق بجزء منه بدراسة ساحة الجريمة والتحليلات المرتبطة بها لجهة تحليل التربة، والرواسب العالقة على الجثامين، والاطّلاع على نسخ من صور الأقمار الاصطناعية فوق المنطقة يوم الانفجار، والتدقيق في فرضيات محتملة حول حصول عمل إرهابي، أو هجوم صاروخي وطبيعة الانفجار… كذلك أيضاً فريق روسي يشارك بعملية الإنقاذ والبحث عن المفقودين. إلا أنّ أنباء غير مؤكدة تتحدث عن “عناصر مادية مفاجئة” اكتشفتها البعثة الروسية.
في سياق موازٍ، فإنّ قرار الحكومة بإحالة تفجير المرفأ إلى المجلس العدلي وضع حدّاً لكباش صامت حول الجهة التي سينتقل إليها الملف. فهذه الإحالة تحسم أي نزاع من هذا النوع من خلال وضع الملف بعهدة المجلس العدلي، عبر مدعي عام التمييز الذي سيمثّل جهة الادعاء.
وفق مطلعين أخفى الكباش نزاعاً صامتاً بين حزب الله وحليفه رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي. يوضح هؤلاء أنّ العهد يستند إلى نفوذه “في القضاء العسكري ويهمّه البعد الإداري للملف عبر حماية “جماعته”، وإن كانت حجّته أنّ الملف هو من اختصاص المحكمة، خصوصاً أن هناك شهداء من العسكريين، بينما حزب الله يعنيه الشقّ الأمني في التحقيقات من دون أن يبالي بسقوط أحجار شطرنج محسوبة على العهد في هذه القضية.
هناك مفرزة سباقة مَسَحت منطقة المرفأ قبل زيارة الرئيس سعد الحريري في أيلول 2019 وهناك وزراء أشغال قاموا بزيارات متتالية إلى بقعة بالمنطق الأمني كانت شديدة الخطورة بوجود نيترات الأمونيوم
تفيد المعلومات بأنّ إجتماع المجلس الأعلى للدفاع الموسّع بحضور عدد من كبار القضاة عقب الانفجار في 4 آب شهد جدلاً واسعاً حول مسألة الصلاحيات في ما يتعلق بالإمساك بالملف ما دفع أحد قادة الأجهزة الأمنية الى مصارحة الحاضرين قائلاً “أنتم كقضاة تختلفون في ما بينكم. إحسموا الأمر “حتّى نعرف مع مين بدنا نحكي”.
وقد برز في هذا الإطار دور واضح لوزير العدل السابق سليم جريصاتي بالضغط لتحويل الملف إلى المحكمة العسكرية. وفي هذا الاجتماع أظهر رئيس الجمهورية رغبة واضحة بعدم إحالة الملف الى المجلس العدلي قائلاً: “كم من الملفات منسية في جارور المجلس العدلي”!
فرضية تسبّب أعمال التلحيم في العنبر رقم 12 باشتعال حريق أدّى الى الانفجار الهائل لا تزال تتقدّم على ما عداها من فرضيات ضمن سياق “المسببّبات المباشرة” للكارثة. والتحقيقات وفق العارفين ستتركّز أيضاً على احتمال وجود سرقة منظّمة لمحتويات العنبر من نيترات الأمونيوم بسبب الفجوة في حائط العنبر، أو إحتمال وجود مواد غير معرّف عنها الى جانب المواد المتفجّرة. وهذا الأمر يفتح المجال أمام سيناريوهات يفترض أن يحسم صحتها فريق المحقّقين اللبنانيين والفرنسيين.
تعرب أوساط مطّلعة عن “خشيتها من تقاطع مصالح لتضييع المسؤولية تحديداً بين الأمن والقضاء، الجهتين المعنيتين بشكل وثيق بما حدث في المرفأ، ويبدأ الأمر من لحظة تعويم الباخرة وتفريغ حمولة النيترات في العنبر من دون تنبّه الأجهزة الأمنية ومواكبة القضاء لخطورة هذه المواد”.
ويقول هؤلاء: “هناك مفرزة سباقة مَسَحت منطقة المرفأ قبل زيارة الرئيس سعد الحريري في أيلول 2019 وهناك وزراء أشغال قاموا بزيارات متتالية إلى بقعة بالمنطق الأمني كانت شديدة الخطورة بوجود نيترات الأمونيوم. يمكن فقط من خلال هذا الواقع تخيّل حجم التقصير والإهمال”.
أما في السياق القضائي، فإنّ القاضي عويدات وبعد تبلّغه صدور مرسوم الإحالة إلى المجلس العدلي بدأ يتابع الملف بوصفه نائباً عاماً عدلياً. ويفترض خلال الساعات المقبلة أن يقوم بالادعاء بحق المتّهمين والمقصّرين الذين أظهرتهم التحقيقات حتّى هذه المرحلة. ويحيلهم بموجب ورقة طلب أمام قاضي التحقيق العدلي، مع الإشارة الى أنه لم يعيّن حتى اللحظة قاضي تحقيق عدلي. إذ يفترض بوزيرة العدل ماري كلود نجم أن تصدر قراراً بتعيينه بعد موافقة مجلس القضاء الاعلى. وهناك ثمّة إشكالية تتعلق بحصول هذا التعيين في ظل حكومة مستقيلة.
سيتابع عويدات مهامه كنائب عام عدلي، والملفّ سيبقى بعهدة النيابة العامة العسكرية (مفوض الحكومة بالإنابة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي) حتى انتهاء التحقيقات بالكامل، وحينها يتمّ ايداع الملف المجلس العدلي عبر مدّعي عام التمييز صاحب الصلاحية بالادعاء بناءً على المادة 356 من أصول المحاكمات الجزائية.