اتصالات على أكثر من صعيد
اذاً، نشطت الاتصالات وراء الكواليس مع اكثر من طرف لرسم خارطة طريق للمرحلة المقبلة وكيفية التعاطي معها ولاسيما موضوع تشكيل حكومة جديدة وتسمية الشخصية التي ستتولى رئاستها وتركيبتها في حين ان تكشف مسار هذه العملية واتجاهاتها ينتظر وصول مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد هيل إلى بيروت مساء الخميس المقبل وما سينقله للفرقاء اللبنانيين عن موقف حكومته حول مختلف التطورات الاخيرة في لبنان بعد حادث تفجير المرفا وبالطبع سيكون موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة من ضمنها في حين ستشمل لقاءاته زيارة الرئيس الحريري في دارته الجمعة المقبل ويتناول طعام الغداء الى مائدته حيث سيكون موضوع مهمة هيل في ترسيم الحدود البحرية من ضمن المواضيع التي ستبحث خلالها وبالطبع تشكيل حكومة جديدة أيضا وبعدها يمكن تلمس مسار الامور عما اذا كان هناك تفاهم أميركي فرنسي مشترك لمساعدة لبنان في مواجهة تداعيات الانفجار الكبير ودعمه في عملية تشكيل الحكومة الجديدة ام ان هناك تبايناً او خلافاً معيناً قد يؤثر سلبا على مسار الأمور ويعقد عملية تشكيل الحكومة اللبنانية.
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” ان المشاورات بشأن الملف الحكومي لا تزال في بداياته وما من شيء ملموس بعد وهناك اتصالات ومشاورات جانبية ولفتت الى ان تحديد موعد الأستشارات النيابية ينتظر هذه المشاورات التي انطلقت كي تقرر الكتل النيابية خياراتها.
ورأت المصادر ان لا صورة واضحة قبل معرفة الجو العام ولذلك امام هؤلاء رؤساء الكتل فسحة من الوقت لكن الثابت لدى رئيس الجمهورية احترام الدستور وما تفضي اليه الأستشارات النيابية من تسمية الشخصية التي تكلف تشكيل الحكومة.
وقالت ان الرئيس عون يريد قيام حكومة بأسرع وقت ممكن ولم يدخل في موضوع الأسماء سواء بالنسبة الى الرئيس سعد الحريري او السفير نواف سلام مشيرة الى ان الرئيس الفرنسي لم يأت على ذكر اي شخصية خلال زيارته الأخيرة الى بيروت لافتة أن حكومة الوحدة الوطنية كانت في صلب تركيز ماكرون. وهنا اشارت المصادر نفسها الى انه ربما تكون هذه الحكومة هي التوجه العام لهذه المرحلة بسبب الظروف التي تفرض ذلك لكن المصادر رأت ان الأمر متروك للمشاورات التي يجريها الرئيس المكلف وكذلك الكتل النيابية حول شكل الحكومة ومضمونها ودورها.
وذكرت مصادر رسمية مواكبة للاتصالات لـ”اللواء”، انه من المبكر تحديد موعدالاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للحكومة الجديدة، او الحديث عن اسم معين قبل استكمال المشاورات السياسية للتوافق المسبق على الاسم وعلى برنامج الحكومة والضمانات المطلوبة لنجاحها، حتى لا تتكرر تجربة الحكومة المستقيلة، علماً ان كل الاطراف تدفع بإتجاه الاسراع في تسمية الرئيس المكلف وتشكيل الحكومة لتسريع اعمال الانقاذ والإعمار وتسيير مرفأ بيروت والتعويض على المتضررين، عدا استكمال ملفات عالقة مهمة كملف الاصلاحات البنيوية في الاقتصاد والمالية العامة والادارة. مايعني يجب الاتفاق على عناوين المرحلة المقبلة بكل تفاصيلها.
وكان اول الغيث في حركة الاتصالات فور استقالة الحكومة، الاجتماع الذي عقد في عين التينة بين الرئيس نبيه بري وجبران باسيل والحاج حسين الخليل في حضور النائب علي حسن خليل، والذي بحث بروية مشتركة لمرحلة ما بعد استقالة دياب وتأليف حكومة جديدة.
الحريري لن يعود؟
ولكن المفارقة البارزة في هذا السياق ووفق المعطيات الجدية والموثوقة المتوافرة لـ”النهار” تؤكد ان لا الرئيس الحريري يهرول نحو العودة الى رئاسة الحكومة من دون توافر الشروط الصارمة التي تتيح إنجاح حكومة نوعية بمواصفات قادرة على اجتراح استراتيجية انقاذية حقيقية والتي منع من الحصول عليها في المرة السابقة خصوصا انه يحاذر تماما الا يكون في يده الأوراق المقنعة للشارع . كما يبدو السفير السابق نواف سلام بدوره حذرا جدا حيال الشروط والضمانات الحاسمة التي تكفل له تشكيل حكومة قادرة فعلا على ان تواكب خطورة الازمات التي تضرب البلاد. بذلك يكون ملف الضمانات الحاسمة لجعل الرئيس المكلف يقدم على مغامرة محفوفة بالمحاذير الهائلة قد سبق مناورات وحسابات القوى السياسية على اختلافها علما ان أي معطيات جدية لا تحسم حتى الان لا اسم الحريري ولا اسم نواف سلام ولو كانا المتقدمين في الأسماء بل ان أي أسماء ثالثة سواهما لم تطرح بعد . كما ان ما يثار عن الأجواء الفرنسية والأميركية والسعودية وسواها تبدو حتى الان في اطار التوظيف الداخلي ولو ان الموقف الفرنسي معروف ويدفع نحو توافق سياسي عريض على حكومة فعالة فيما سيستمع المسؤولون الرسميون وبعض القادة السياسيين الجمعة المقبل الى الرؤية الأميركية حيال الواقع اللبناني من مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل الخبير في الملف اللبناني خلال زيارته السريعة لبيروت. وتوقعت الأوساط المعنية بالحركة الجارية الا تتبلور الاتجاهات والأمور قبل الاطلاع على المواقف التي سينقلها هيل في زيارته لبيروت .
وفي كل الاحوال، بات على القوى السياسية اخذ مطالب الشارع المنتفض بالاعتبار خلال البحث في التركيبة الحكومية الجديدة، وإلا يبقى الوضع يراوح مكانه من توترات متنقلة وعدم استقرار سياسي وامني، خاصة ان الشارع يرفض كل التركيبة السياسية القائمة حالياً ويدعو الى تغييرها عبر انتخابات نيابية مبكرة، من الصعب اجراؤها ايضا قبل التوافق على اي قانون انتخابي!.
وبحسب مصادر في العاصمة الفرنسية فإن عودة الحريري على رأس الحكومة تحظى بدعم أميركي – فرنسي – إماراتي – مصري، فيما تتخذ الرياض موقفاً محايداً. إذ لا تعارض عودة رئيس تيار المستقبل الى السراي، لكنها لا تريد أن تلزم نفسها بما لا تريد ان تلتزمه. كما ان السعوديين مستفَزون مما يرونه محاولة اميركية – فرنسية لإعطاء دور أكبر للامارات في الملف اللبناني.
وبحسب المصادر نفسها فإن الأميركيين “باتوا مقتنعين” بتغيير استراتيجيتهم في لبنان، هو ما ينعكس في إيفاد نائب وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل الى بيروت وإبعاد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر الأكثر تشدداً عن الملف، على أن يخوض هيل مفاوضات مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لتليين مواقفه من تأليف الحكومة مع التهويل عليه بسيف العقوبات.
الشروط عالية
في المقابل، بدا واضحاً ان الشروط الدولية باتت عالية في مواجهة الحكومة المقبلة، فبحسب المعلومات، وُضعت القوات في أجواء عدم الممانعة الأميركية – السعودية لعودة الحريري، لكن واشنطن والرياض لا تريدان حكومة يشارك فيها حزب الله وباسيل، والرئيس الفرنسي ملتزم التواصل معهما لإقناعهما بالأمر. هذا الجو أصاب فريق الرابع عشر من آذار بالخيبة، بعدما تأكد بأن الخارج لا يريد إسقاط العهد والمجلس النيابي، وهو مصرّ على إطلاق دورة الحياة السياسية في البلاد. وقد نُقِل عن ماكرون أن”الاصلاح المالي سيكون أولوية وأن على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف التعاون والأخذ بتوصيات صندوق النقد”. ونُقل عن الفرنسيين انهم نصرون على تدقيق في مصرف لبنان والقطاع للوصول الى تحديد دقيق للخسائر، وليس على خلفية انتقامية.
وفي إطار تسارع الحركة الدولية والعربية تجاه لبنان، قالت مصادر مطلعة إن “القطريين إتصلوا بعون ورئيس الحكومة المُستقيل، وأبدوا استعداداً لإعادة إعمار المرفأ والإستثمار فيه، بعدَ ورود أخبار عن اقتراح مماثل تقدمت به دبي بواسطة الأميركيين والفرنسيين”. وتنقل المصادر عن السفيرة الأميركية دوروثي شيا قولها إنه “في حال سارت خطة ماكرون كما هو مرسوم لها، وتجاوبت القوى السياسية اللبنانية معها، فإن بلادها ستساعد على بناء معامل الكهرباء سريعاً”، كما لفتت المصادر بأن مصر تعمَل على الإتجاه ذاته.
اللقاء الذي انعقد في عين التينة قبل استقالة دياب بين حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، أكد على ثابتتين: لا انتخابات نيابية مبكرة ولا تقصير لولاية المجلس الحالي، حتى ولو أدى ذلك الى “موت حكومة”. مصادر مطلعة أكّدت لـ”الأخبار” أن بري، في اللقاء الذي ضمه وباسيل والوزير السابق علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين الخليل، “خبط على صدره” بأن الحكومة يمكن أن تتشكّل قبل مطلع الشهر المقبل، وقبل عودة الرئيس الفرنسي الى لبنان، ويبدو أن رئيس المجلس “قد أجرى التنسيق المسبق اللازم مع كل الأطراف السياسية في هذا الشأن، خصوصاً الحريري وجنبلاط”.
ورغم أن المشاركين في اللقاء يعرفون جيداً أن البلد لا يملك ترف الانتظار طويلاً لتأليف حكومة، إلا أن الثابت لديهم أن “لا حكومة حيادية بل حكومة وحدة وطنية”، يفضّل بري، على الأقل، أن يكون الحريري على رأسها، من دون ممانعة ظاهرية من التيار الوطني الحر. أما حزب الله، فما يعنيه أمران لن يساوم فيهما: الأول، لا حكومة حيادية؛ والثاني، لا قبول بأسماء مستفزة من قبيل ما يسرّب في الإعلام، كإسم السفير السابق نواف سلام أو النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، “وما رفضه حزب الله سابقاً بعد استقالة الحريري في 29 تشرين الأول الماضي لن يقبله اليوم، والأفضل ألا يضيّع الناس وقت بعضهم بعضاً في إعادة تجريب ما جُرّب سابقاً”.
وبحسب المعلومات، فإن حزب الله لا يمانع أيضاً بحكومة وحدة وطنية “من دون أقطاب” يرأسها الحريري نفسه، ولا يبدو متمسكاً بمعادلة “سعد وجبران” التي شهرها التيار الوطني الحر في المشاورات التي جرت لاعادة تكليف الحريري عقب استقالة حكومته، وعرقلت إعادة تسميته. علماً أن مصادر في التيار الوطني الحر أكدت أنها مع الاسراع في تشكيل حكومة جديدة. وأكد تكتل “لبنان القوي”، عقب اجتماعه أمس، أنه “لن يوفر جهداً لتسهيل ولادة الحكومة وسيكون في طليعة المتعاونين”.